الأن و من خلال هذه الشاشه الزجاجية الصغيرة التي تفصل بيننا أخبرني …
هل تشعر بأن ما حولك مزيفاً و غير حقيقي ؟
هل تشعر بأن مشاعرك مصطنعة و تتغير أمام كل نافذة جديدة على الشاشة ؟
ربما تكون مصاباً بإضطراب تبدد الشخصية !!
في ظل تقدم التكنولوجيا تعكس لنا المرآة السوداء (Black mirror ) في الحلقة الثانية من الموسم الأول جانباً كئيباً من الخيال العلمي لواقع إفتراضي معزز يخضع فيه البشر لقيود التطور التكنلوجي و قوانينه حيث يتعامل البشر مع عالمهم عبر الشاشات، كل أحلامهم و أمانيهم حول شراء تطبيق جديد لشاشتهم أو الإشتراك في برنامج ترفيهي، و يستخدمون في عملية الشراء عملة تسمى ( مزايا) حيث يحصلون عليها عن طريق قيادة دراجات تمارين ثابته تمد عالمهم بالطاقة.
في حلقة ( خمسة عشر مليون مزايا) تدور حول شاب يعيش في عالم إفتراضي من الطبقة المتوسطة، يعيش في كأبة لا يستمتع بشيء في حياته .. يستيقظ .. يذهب للعمل ـ ركوب الدراجة ـ يعود من العمل يمارس ألعاب الفيديو، حياة خالية من المشاعر و الإحاسيس كأنه رجل ألي أو مريض نفسي مصاب بإضطراب تبدد الشخصية.
إضطراب تبدد الشخصية هو الشعور بالانفصال عن الواقع كما لو كنت تشاهد نفسك على شاشة فلم لا مشاعر لا أحاسيس أو قد لا تتمكن من ربط المشاعر بالذكريات، أو حتى الشعور بأن لديك ذكريات و تجارب حدثت معك.
نلاحظ أن جميع الذين في الواقع الإفتراضي يراقبون أنفسهم عبر شاشات و هم يتجولون في الخارج أو على مدرجات مسرح إفتراضي بينما شخصياتهم الحقيقية محاطة بالشاشات في غرفهم وحيدون فقط ينقلون تفاعلهم إلى الشخصية المزيفة يتخطون الإعلانات التي تزعجهم و تظهر في الشااشات خلال يومهم مقابل خصم من ( المزايا) إنهم منفصلون تماماً عن الواقع و حتى عندما يجتمعون في صالة الدراجات فإنهم يكادون لا يلاحظون وجود بعضهم، ليس بينهم شيء حقيقي إنهم منفصلون تماماً عن الواقع و عن بعضهم يشعرون و كأن بينهم شاشات تفصلهم عن بعضهم و كأنهم أيضاً مزيفون .
عندما أعجب (بينج ماسون) بالفتاة الجديدة ( آبي كارنر )شعر بشيء حقيقي مشاعر حقيقية، صوت غناءها في الحمام صوت حقيقي كأنه أول صوت يسمعه، شعور لامس وجدانه الشعور بالعودة للواقع، قدم التضحيات تنازل لها عن خمسة عشر ميلاً ( 15 مليون مزايا) من أجل أن تشارك في برنامج مواهب الغناء، أخبرها بإنه منذ زمن ينتظر حدوث شيء حقيقي، لم يرى حقيقة أكثر منها.
و في عالمنا خلال فترة تفشي فايروس ( كورونا) و الحظر الذي طبق في العديد من الدول، نلاحظ نشاط التواصل الإجتماعي و إدمان التكنلوجيا، حتى الذين جمعهم مكان واحد تفصل بينهم الشاشات كل منهم في عالمه الإفتراضي الخاص، و حسب الإحصائيات فإن حالات الإنفصال عن الواقع أو تبدد الشخصية قد زادت بصورة كبيرة خلال تلك الفترة، الشعور بأنك تعيش في عالم مشوه خالي من الألوان و غير حقيقي، كل شيء فيه مبتكر ليبقيك مخدراً و مجرد من المشاعر.
في النهاية قد تتساءل ما الذي يجعل شخص يغير رأيه و معتقده كما فعل بينج ماسون و فعلت آبي كارنر عندما وقفوا أمام فرصتهم، آبي كانت تريد أن تصبح مغنية و لكن الحكام و الجمهور غيرو رأيها كما حدث مع بينج الذي كانت لدية قضية يقاتل من أجلها، الشخص المصاب بتبدد الشخصية أو الإغتراب عن الواقع يجد صعوبة في التركيز على مهامه أو حتى تذكرها، و كما أن اليأس يكون هو الذي يسيطر عليه لذلك المريض يحاول أن يتهرب من كل موقف صعب و يتجنبه.
في العالم الإفتراضي لا نفرق بين الحقيقة و الوهم بين الشر و الخير نحن فقط نرغب بتخطي ما يزعجنا. و هو ما قد تلحقه بنا هذه الشاشات الصغيرة التي تشبه نافذة تطل على عالم معزول و هاديء يغري بالهروب إليه، ثم تكتشف أنك لا تستطيع العودة منه … و تصبح تتهرب من مواجهة نفسك من شاشة لشاشة أخرى !