النّفـِيـر – الـدّاري – الفزع
النفير من العادات السودانية المنتشرة في كل ربوع البلاد وتعتبر من الموروثات القديمة التي تمارس في القري والارياف والمدن , وكلمة نفير من نفر تعني في العربية الفصحي مجموعة من الناس , اما في العامية السودانية تعني نفر اي شخصا واحدا , والنفير بشكل ادق تعني قيام مجموعة من الناس بعمل ما في الحي او القرية او المدينة لصالح احد المستفيدين اولعدد من المستفيدين (مصلحة عامة) في شكل جماعي.
*والنفير له دلالته القوية في شكل القيمة التي تُكنّ في النفوس من الترابط والتكاتف والتعاضد بين اهل الحي او القرية في مساعدة المحتاج من بينهم وقضاء حوجته بكل حب وتفاني ونكران ذات وهنا تتجلي عظمة الانسان السوداني من شهامة وكرم وحبه للتعاون وعمل الخير ولذلك نجد ان ثقافة النفير كانت هي السائدة عند الاهل منذ قديم الزمان حتي اصبحت لنا إرثا نفتخر به ونتباهي به في المسارعة لعمل الخير ونجدة المكلوم وقضاء حوائج الناس بكل طيب نفس وعفوا للخاطر وبهذاء تجد النكهة السودانية واناقة الذوق للإنسان السوداني وهو يخدم غيره وهو حافي القدمين حاسر الراس كرما وشهامة منه متلفحا بالقول السائد ايد علي ايد تجدع بعيد (وإن لله عباد اختصهم لقضاء حوائج الناس ) والناس بالناس والكل لرب العالمين . تأبى الرِّماحُ إذا اجتمعنَّ تكسُّراً وإذا افتــرقَنّ تكــسّرتْ آحادا .
* ونجد الاهالي في الريف يقومون بالنفير الزراعي لمساعدة الفقير الذي لا يستطيع القيام بكافة العمليات الزراعية او العجزة وكبار السن من ليس لديهم شباب او تكريما للشيخ او العمدة او الناظر للقبيلة , يقومون بنظافة الارض من الحشائش وحرثها وزراعة الحبوب وعند الحصاد ايضا يتنادون للتجمّع وعمل النفير لجنيّ الحصاد ودقّ العيش وقطع السّمسم وخلافه من المحاصيل المزروعة التي تحتاج الي المساعدة في حصدها وجمعها , وايضا من المناشط التي تحتاج الي النفير والتي يقومون بها بناء المنازل (غرفة , قطية , حوش , صريف ) وخاصة تجهيز غرفة او قطية العريس اذ يتسارع الشباب في جمع المواد من الخلاء الحطب والقش تجهيزه وبناء منزلة العريس , وايضا المشاركة في المشروعات العامة بالقرية نفيرا في كافة الخدمات والاحتياجات العامة , والنساء يتنادون نفيرا لإعداد الطعام والشراب وتقديم الخدمات للعاملين في النفير .وايضا يحصل الفزع عندما تحدث السرقة للماشية اذ يتنادي عادة ما يضرب البوق او النحاس او إصدار اصوات تدل علي الجمع الفوري بالشباب والفراس للخروج في الفزع وملاحقة الماشية المسروقة والقبض علي السارقين وارجاع الماشية الي القرية او الفريق , وعند الكوارث ايضا يحدث الفزع , ويعتبر الفزع احد توابع النفير اذ يعتمد علي الجمع والكترة من الشباب الاقويا القادرين علي الدواس واستعمال الادوات المحلية في الدفاع عن النفس .ويتحمسون بالاغاني المحلية التي تدعوا الي الحماسة وتقف الحكامة وتحسهم علي ذلك وتمدح الرجال , وفي المدينة نفس جينات السودانيين فانتشرت لجان المقاومة وهو ضرب من عمل النفير والشهامة والشجاعه .
*تطورت فكرة النفير مع تقادم الزمن واصبحت ذات مفهوم واسع وإنتقلت الي الحضر واصبح له شكل اخر في المجتمعات المُتمّدنة ,إذ نجد أنَّ حالة الاستنفار في المُجتمع السوداني لا ترتبط بزمن مُعين فقد حوَّل الشباب وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة “فيسبوك .. واتساب.. وتويتر وغيرها” إلى منصات لتنظم النفير أو الفزع، خاصة في ظل الظروف التي تمر بها البلاد، فخرجت من أضابيرها مبادرات مثل شباب شارع الحوادث التي يقوم عليها شباب خيِّرون في نفرة فريدة من نوعها بدأت بالعمل على توفير الدواء للمحتاجين وتطوَّرت إلى صيانة المستشفيات وتوفير مسلتزماتها من أسرة وأجهزة لغسيل الكلى وغيرها من الاحتياجات، وهناك ايضاً مُبادرة نفير وهي مبادرة شبابية تهتم بالمتضرِّرين من السيول والفيضانات والأمطار، حيث يقوم المتطوِّعون فيها بحصر المصابين والمشرَّدين جراء الكوارث الطبيعية ويتكفلوا ببناء المنازل المهدَّمة، ويقوم الأطباء بتقديم الإسعافات الأولية للمصابين قبل نقلهم للمستشفيات، وضرب الخيام لمن فقدوا منازلهم .
* وأخيراً برز نوع جديد من النفير على وسائل التواصل الاجتماعي يقوم به أشخاص عاديون ينشرون صوراً وموضوعات عن حالات إنسانية تحتاج للمُساعدة في بعض القروبات، ومن خلال البوست يبدأ المتداخلون في التبرع لصاحب الحالة بعد نشر رقم هاتفه أو يرسلون التبرعات إلى حساب ناشر الحالة بعد التأكد من صحتها، وتذهب هذه التبرعات لمُعالجة الحالة سواءً أكانت لمريض أو صاحب حاجة أخرى ككرسي لمعاق أو حتى إيجار بيت لمحتاج الي اخره من انواع الخدمات والمساعدة التي تقدم .
*هذه هي قيمنا وموروثاتنا نحن السودانيين نتكافل ونتعاضد ونتضامن مع بعضنا البعض ونقدم الخدمة للمحتاج دونما منِ او اذي نبتقي فيها وجه الله ورفعتا لهذا الوطن الخالد , ومجد الشعراء والفنانين عمل البر والخير وحالة النفير السودانية بقولهم , عجبوني أولاد الأهالي عجبوني وسروا بالي .. طول الليل واقفين سواري ترسوا البحر بالطواري .. ما شالونا باللواري عجبوني الليل جوا ترسوا البحر وصددوا..عجبوني أولاد الفرسان ملصوا البدل والقمصان وصبوا البحر خرسان من شاوش لي برقا..عجبوني الليلة جوا ترسو البحر صددوا . دي المحرية فينا وكتيّن يقولُو دا سوداني تلقاهو شامة بين الناس بِعزْ كرموا وسَماح صِفاتُو والجآر من برّا البلد بِجِينّا بيلقْ الزاد حتي الطير لامن يَجينّا جعان بِنشبعّوا من سواقينَا وزُرُوعنا قمح ودخن , وبِنقسم اللُقمة بيناتنا والبِجينّا غريب .
علاءالدين الحلو,,,,
Copyright secured by Digiprove © 2020 Ashraf Eltom