بدأ دخول الإسلام إلى السودان منذ القرن السابع الميلادي كما أسلفنا في مقال سابق(دخول الإسلام إلى السودان) ،ثم ما لبث أن إنتشر الدين الجديد في السودان حتى إنتظم المسلمون في عدد من الممالك المتفرقة داخل السودان-والذي لم يكن دولة واحدة بحدودها الحالية- خاصة بعد تهالك الممالك المسيحية الموجودة حينها وتفككها ثم إنهيارها كلياً فيما بعد لتحل محلها الممالك الإسلامية، ومن بين هذه الممالك مملكة الفور موضع حديثنا اليوم.
قامت سلطنة الفور في الجزء الغربي من السودان-إقليم دارفور حالياً- في أواسط القرن السابع عشر الميلادي، وكان أغلب سكان الإقليم قبل تلك الفترة من البقارة والمساليت والبرتي والميدوب والزغاوة وغيرها بالإضافة إلى الفور أكبر المجموعات السكانية بغرب السودان، وبدأ إنتشار الإسلام بوفود بعض القبائل العربية والأفروعربية مثل الداجو والتنجر حوالي القرن الرابع عشر الميلادي وتتسم هذه الفترة من تاريخ دارفور بالغموض الكبير نسبة لقلة الوثائق وضعف التأريخ إبان تلك الحقبة، ورجح المؤرخون زعامة التنجر والداجو للإقليم حتى القرن السادس عشر إلى أن انتزعها الفور”أسرة الكيرة” وأحكموا قبضتهم حتى سقوط الفاشر على يد الزبير باشا رحمة عام 1874م، والذي ضمها الى سلطة الحكم التركي في السودان.
ويرتبط قيام مملكة الفور الإسلامية بأحد أمراءها المعروف ب”أحمد المعقور” وهو ينتمي للقبائل ذات الأصول العربية التي نزحت من شمال إفريقيا وتمكن من التداخل مع زعماء الفور”الكنجارة” حتى تزوج إحدى بنات الملك”شاو دورشيد” ثم تولى الحكم بعد وفاته، وكان له القدح المعلى في انتشار الإسلام في تلك الأرجاء، حيث فتح البلاد للمهاجرين العرب والمسلمين وأدخل الكثير من التشريعات الإسلامية لنظام الحكم، وخلفه ابنه سليمان صولون-أحد أشهر السلاطين في تاريخ دارفور- والذي بسط نفوذه على الإقليم ووصلت في عهده المملكة لأقصى حدودها، ويعتبر المؤسس الفعلي لسلطنة الفور،أخضع البرتي والبرنو والمساليت والزغاوة وجعل الإسلام ديناً رسمياً للدولة وعمل على نشر تعاليمه بين الناس وشجع العلماء على القدوم إلى المملكة واهتم ببناء المساجد والخلاوي والمدارس، وبلغت مملكة الفور أوج عظمتها في عهد عبد الرحمن الرشيد الذي اهتم بالعلم والعلماء وتوافد العلماء في عهده من تمبكتو ودار شنقيط وسلطنة باقرمي والمغرب العربي وسودان وادي النيل وغيرها من المناطق القريبة، والذي شجعهم بدوره وأجزل لهم العطاء وأخرج طلاب دارفور طلباً للعلم خاصة إلى مصر والأزهر الشريف، ومن أشهر العلماء الذين توافدوا على المملكة الشيخ عبد الرحمن كاكوم وحسين ود عماري والفقيه سالم شيخ العزيمة وعز الدين الجوامعي والشيخ الدرديري.
إستمر الفور”أسرة الكيرة” وأحفاد السلطان سليمان صولون في حكم مملكة الفور حتى غزاها الأتراك وضموها للسودان كما أسلفنا ثم اندلعت الثورة المهدية وبسطت نفوذها على السودان، وسنحت الفرصة للفور لحكم مملكتهم ذاتياً عام 1898م عند بداية انهيار دولة المهدية، فنصب السلطان علي بن زكريا بن محمد الفضل الشهير ب”علي دينار” نفسه سلطاناً على اقليم دارفور وقد مر الإقليم بأزهى فتراته أبان حكم السلطان علي دينار الذي اشتهر بإرسال خراج المحاصيل الزراعية وكسوة الكعبة المشرفة عند موسم الحج، ويؤكد المؤرخون أن الآبار التي يطلق عليها (أبيار علي) في الأراضي المقدسة تنسب إليه وتحمل اسمه، وقد استمر في الحكم إلى أن جردت عليه الحكومة الإنجليزية حملة عسكرية انتهت بمقتله في معركة”برنجية” عام 1916م بسبب دعمه للقوات العثمانية في الحرب العالمية الأولى ليتم ضم الإقليم مجدداً للسودان.
2K
المقال السابق