لا توجد منطقة في عالمنا عمرها الإنسان قديماً أو حديثاً إلا وقد سماها أهلها وساكنوها بما يميزها، سواء أكانت التسمية مشتقة من اسم شخص أو ملك قام باستحداثها، أو اشتقت من معلم يميزها.
ونحن اليوم بصدد استعراض المسميات النوبية لبعض مدن وادي النيل والتي لن يتسع المجال لذكرها جميعاً، والبداية من سنار؛ وهي تقع في آخر الحدود الجنوب شرقية للممالك النوبية القديمة جنوب الخرطوم على النيل الأزرق، وأصل الكلمة هو (Essinar)، وتعني بالنوبية حد المياه أو طرف المياه.
أما الخرطوم وهي القريبة من سوبا عاصمة مملكة علوة – ألودا، فنجدها تذخر بالكثير من المناطق ذات المسميات النوبية، بدءاً من السبلوقة وهي منطقة الشلال السادس، والتي يضيق فيها مجرى النيل وسط مجراه، وأصل التسمية نوبياً هي (Sabalow)، وتعني المجرى الضيق للماء، وقد أطلقت نفس هذه التسمية على الجزء الضيق من الساقية وهي اختراع نوبي خالص، والسبلو هو الذي يمرر الماء من القواديس إلى حياض الزرع.
أما تسمية الخرطوم نفسها فترجع إلى مايعرف بإله الأرض في الميثولوجيا النوبية القديمة، حيث كان يعرف باسم “TOM”، وأصل الكلمة هنا هو (Gortom)، وتعني أرض الإله توم.
وبالرجوع إلى سوبا نفسها وهي عاصمة مملكة علوة – ألوديا، فنجد معناها بالنوبية هو العاصفة الترابية، وهي فعلا تشتهر بغبارها والعواصف الترابية، وقد سميت هنا بما اشتهرت به مناخياً.
ولدينا أيضا منطقة أو قرية قري، وأصل الكلمة هو (Garri) وهي منطقة حجرية قليلة الزرع، وتقع بين السبلوقة والكدرو، وهي تعني الأرض الجدباء المفقرة بالنوبية، وهي بالفعل أرض صخرية قاسية جدا.
وانطلاقاً نحو ولاية الجزيرة نجد مدينة مرنجان، وهي من المدن التي اقتبست تسميتها من طبيعة العمل الاقتصادي القائم بها، وأصل التسمية هو (Marrin – Jan) وهي تعني سوق الذرة.
أما شندي وهي إحدى أغنى الحواضر الأثرية في وادي النيل، والتي تذخر بالكثير من المواقع الأثرية والتي ترجع إلى عهود مختلفة من الممالك النوبية، أبرزها حاضرة مملكة المقرة، فنجدها قد عرفت قديماً كمدينة لنسج القطن وتصديره، ومنها جاء الإزار “الملبس” الفرعوني الشهير، وهو يحمل هذا الاسم (Shundi).
وانطلاقاً الآن نحو الولاية الشمالية، آخر معاقل اللغة النوبية التي مازالت محافظة عليها في حياتها اليومية، نجد الغالب من تسميات مدنها بالنوبية، فمثلا لدينا مدينة مروي، الحاضرة الأثرية الهامة والغنية جداً، وهي مدينة أثرية تقع على الشلال الرابع على النيل، والاسم (Merawy) يعني بالنوبية البحيرتان أو النهران، وبالفعل نجدها عند انحسار مياه الفيضان تتكون فيها بحيرتان أو لسانين من المياه شمال الشلال.
ثم وصولاً إلى الشلال الثالث نجد قرية كجبار، وبها سهل خصب للزراعة قائم عليه مشروع زراعي باسم مشروع كجبار، وقد كانت ترعى فيه الأنعام والمطايا سابقاً، وفي معنى الاسم بالنوبية نجده مكونا من المقطعين (Kaj-bar)، حيث Bar تعني الوادي أو المرعى، و Kaj تعني الحصان بلهجة الدناقلة، وتعني الحمار بلهجة المحس.
وفي مناطق أبوحمد أيضا توجد العديد من المناطق والقرى ذات التسمية النوبية مثل كد اروم وأصل تسميتها (Kidorom) وهي تعني ذات الحجارة السوداء، حيث Kid تعني حجر، و Orom تعني أسود، وهي بالفعل ذات تلال صخرية سوداء وتتناثر بأرضها الصخور السوداء.
وبجوارها أيضا من مناطق أبوحمد نجد قرية كد قيل، وأصل تسميتها (Kid-Gil) وتعني بالطبع ذات الحجارة الحمراء حيث Gil تعني أحمر، وبالفعل نجد القرية تنتشر فيها الحجارة الحمراء والتلال الصخرية الحمراء.
أما عند الشلال الثاني من منطقة حلفا فنستعرض أيضاً بعضاً من حواضرها ذات الأسماء النوبية، كقرية جمي، وهي إحدى قرى وادي حلفا كثيرة شجرة الطندب، وكلمة جمي أو جامي GAMAE تعني شجر الطندب.
وليس بعيداً عنها أيضا قرية أرقين، وهي من أخصب القرى وأطيبها زرعاً، وأصل الكلمة (ARKEN) وتعني الطين أو ذات الطين، وقد كانت فعلا ذات حظ وافر من الطين الخصيب والطمي.
أما في شمال الوادي فنجد أشهر حواضرها النوبية مدينة أسوان، وهي مدينة ضاربة في قدم الحضارة والتاريخ النوبي، وتقع على الشلال الأول، وأصل الكلمة هو (ESSIWANJ) وتعني مكان فوران المياه، وهو وصف دقيق لما يحدث لاصطدام مياه النيل فيها بجلاميد الشلال الأول.
ولدينا أيضا كوم امبو وأصلها (Ko-n-ambo)، حيث ko تعني الأسد، الn للملكية، و ambo تعني المعبد أو مكان أداء الطقوس الدينية، والمعنى هنا معبد الأسد.
وكذلك لدينا الأقصر، وأصل الكلمة هو اوقسركي (Og-serky)، وتعني بالنوبية آثار كبار القوم، حيث اوق تعني الصدر أو المقدمة، وسركي تعني الآثار.
وبالطبع لا يتسع المجال هنا لتعداد جميع المناطق والمدن والقرى ذات التسمية النوبية على امتداد وادي النيل، ولكن استعرضنا نماذج متفرقة من وادي النيل على طول المنطقة الممتدة من سنار جنوب الشلال السادس وإلى مابعد الشلال الأول أسوان، وأنتم يا متابعينا الكرام حيثما وأينما كنتم، شاركونا بأسماء مناطقكم وقراكم مع إيضاح معانيها الخالدة نشراً للمعرفة الجميلة بين أجيالنا.
1 تعليق