المرأة السودانية تحت ظلال الاستعمار (الجزء الأخير)

المرأة في عهد الإستعمار البريطاني:-
يرى كثير من المؤرخين أن الإستعمار البريطاني للسودان في الفترة مابين 1899-1956م ، قد أفلح في إحداث تغييرات إجتماعية، وإقتصادية، وثقافية كانت بعيدة الأثر في المجتمع المحلي. كما برزت أسئلة بين المؤرخين على هذه الشاكلة هل خرجت المرأة من فترة الإستعمار وهي أكثر أم أقل قدرة للحصول على فرص العمل والقيادة والتعليم في السودان؟ وهل أصبحت أكثر أم أقل حرية وتحرراً من قيود التقاليد الإجتماعية السودانية؟.

شهدت أوضاع المرأة السودانية في عهد الإستعمار تطوراً كبيراً، حيث عملت كمعلمة بجانب دورها في الإنتاج الزراعي والصناعي .كما إتخذ المستعمر بعض العوامل من أجل تغريب المرأة تمثلت لنا في التعليم، وإلغاء الرق المفاجئ، وقضية الخفاض الفرعوني.
سار تعليم البنات ببطء شديد في السنوات الأولى للإستعمار، فقد كانت الإدارة البريطانية تحاول وبأساليب متعددة تعطيل قيام المدرسة النظامية الأولى لتعليم البنات. وذلك لإدراك المستعمر أنه كلما تأخر تعليم المرأة كلما تمكن من المحافظة على الوضع المتخلف في المجتمع، وبالتأكيد فرصة له في تمديد عمر الإستعمار في السودان .أيضا كانت المعارضة لتعليم البنات من السودانيين قوية، خاصة من بعض رجال الدين والمحافظين بإعتبار أن التعليم يؤدي إلى إستهتار المرأة بالعادات والتقاليد.و بالرغم من وجود كل هذه العراقيل قامت أول مدرسة نظامية للبنات في رفاعة عام 1907م ، بمجهود الشيخ بابكر بدري الذي يعتبر أبو التعليم النسائي في السودان. وأن الطالبات في المدرسة هن بنات الشيخ بابكر بدري وبنات أسرته. وقد إستمرت مدرسته هذه وسط عاصفة من المعارضة التقليدية ، وظلت هي المدرسة الوحيدة في السودان حتى عام 1911م .

في الفترة مابين 1911-1919م فتحت الإدارة البريطانية خمس مدارس في شمال السودان ، بينما التعليم في جنوب السودان كان موكلاً للإرساليات المسيحية. بعد ذلك أنشأ البريطانيون كلية المعلمات بأمدرمان عام 1921م لتدريب معلمات المدارس الأولية. لكن بعد ثورة 1924م ، والأزمة الإقتصادية العالمية أدرك السودانيين مدى أهمية تعليم البنات، وتزايد الإقبال على المدارس حتى أن كثير من السودانيين أرسلو بناتهم إلى مدارس الإرساليات المسيحية. كما شرع بعض السودانيين في إنشاء مدارس أولية للبنات. وذكرت الدكتورة انا بيزيلي مفتشة تعليم البنات أن فترة الأربعينات شهدت نشوء العديد من المدارس في مختلف أنحاء القطر والتحاق أول امرأة سودانية بكلية غردون التذكارية .وكان التدريس يشمل القراءة، والكتابة، والحساب، والقرآن، وفنون الطبخ، والتطريز.

أما الإرساليات المسيحية منذ العام 1903م قامت بفتح عدداً من المدارس في جنوب القطر. وقد كان مع كل مركز تبشير مسيحي توجد مدرسة مختلطة. بحلول العام 1912م سمحت الإدارة البريطانية للإرساليات المسيحية بإنشاء مدارس للبنات في شمال القطر في المدن الكبيرة. وقد شملت مدارس الإرساليات جميع المراحل التعليمية من الحضانة حتى الثانوية. وفي العام 1940 بلغ عدد المدارس التي تديرها الإرساليات المختلفة 31 مدرسة مختلطة. وأن خريجات مدارس الإرساليات أصبحن فيما بعد هن معلمات الجيل الجديد. أيضاً تصدرن حركة تحرير المرأة في السودان بعد أن تشبعن بالقيم الجديدة التي إنتقلت إليهن من صحبة بنات الجاليات الأوربية. وأن من أشهرهن الدكتورة خالدة زاهر الساداتي، والأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم .

منذ العام1900م أصدر المستعمر قانون تحرير الرقيق ومنع الإسترقاق. واستهدف القانون النساء بصفة خاصة، فبدأ التحرر التدريجي للمسترقات السودانيات من 1900-1940م. ودخل الرجال إلي سوق العمل الإستعماري مما أدخل النساء في طور من الإهمال الإجتماعي ، خاصة النساء اللواتي تحررن من العبودية فلم يكن أمامهن طريق سوي الإتجاه إلي مهنة البغاء. وذلك لأن الإدارة البريطانية ألغت الرق فجاءة دون إعداد مسبق للمستهدفين .ثم بعد ذلك إتخذت الإدارة البريطانية خطوة تالية لتغريب المرأة و المجتمع السوداني المسلم، حيث قننت ممارسة الدعارة في دُور علنية، وصناعة الخمور البلدية وتعاطيها في الأندية تحت رقابة، وحماية قانونية. ولكي يجد الجنود والموظفين متنفساً لهم بجوار معسكراتهم في بعض الأحياء التي يُصرح فيها بممارسة الدعارة. و كانت هذة الدُور أوكاراً لكثير من الجرائم الأخلاقي، والجنائية.وكان من رواد تلك الدُور المفكرين والمبدعين والتجار والعسكرين ورجال الحركة الوطنية. ومن أشهر هذه الدُور التي أسسها المستعمر (( دار فوز)) وفيها يتعاطون الخمور، ويصنعون الأغاني، ويتحدثون في السياسة ، وقد إرتبط اسم دار فوز بالإتحاد السوداني.نجد أن إلغاء الرق إنتهي بالسماح إلي دُور دعارة مقننة وإلي أندية ثقافية ظهرت فيها ظاهرة فنية وإجتماعية. تقول بودي جانيس في كتابها تمدين النساء أن الإستعمار البريطاني حاول محاربة الخفاض الفرعوني بفرض قوانين صارمة. ولتخفيف الأثار الضارة الناتجة منه أمر بتدريب القابلات على النظم الصحية والوقائية. فأنشا المستعمر في العشرينيات مدرسة للقابلات قامت على إدارتها إمرأة بريطانية تدعي مابيل وولف. وكان من أهداف تلك المدرسة توعية القابلات ومن ثم المجتمع بأضرار الختان الفرعوني . أيضاً أن من وقف مع محاربة هذة العادة رجال الدين، فقد أصدر السيد عبدالرحمن المهدي بياناً في العام 1944م يدعو فيه إلى ترك الخفاض الفرعوني بإعتباره عادة ضارة، وإحلال الخفاض السني بدلاً عنه . وفي العام 1947م أصدر المجلس الإستشاري لشمال السودان قانوناً يُجرم القيام بعملية الختان الفرعوني، وجعل عقوبته السجن.لم تختفي عادة الختان هذة خلال الفترة الإستعمارية وذلك لأن أغلب السودانيين و حتى قادة مؤتمر الخريجين لم يعيروا القضية إهتماماً بل كانوا يروا أن تناول هذة القضية علانية يسبب الحرج لكثير من الأطراف.

ختاماً أرى أن المرأة السودانية خلال الفترة الإستعمارية تحسن وضعها إلى حد ما أكثر من السابق، وظهرت مكانتها في المجتمع. فمن خلال العوامل التي ركز عليها المستعمر لتغريب المرأة وجدت متنفساً للخروج والإختلاط بالرجل، و ظهر فيما بعد مايسمى بحركة تحرير المرأة. والتي أدت إلى تكوين الإتحاد النسائي عام 1952 الذي كان من أهم أهدافه المساواة بين الرجل والمرأة في الوظائف العامة والسماح لها بالمشاركة في العمل النقابي والسياسي.

Related posts

إشكالية إدارة التنوع الثقافي في السودان

الديمقراطية للديمقراطيين

جرائم عبر القرون ج (10)

2 تعليقات

غير معروف 2021-05-08 - 12:10 مساءً
مقال جميل جدا. لاول مرة اربط عملية الغاء الاسترقاق بالدعارة وتقنينها. سبحان الله حتي الخواجات في السودان عانوا من سوء التخطيط. يبدوا ان المشكلة الملازمانا جغرافية وليست في الشخصية السودانية.
عبدالله عبدالمنعم 2021-05-06 - 10:38 مساءً
مقال رائع أ.زهراء ،، ولكن ذكرتي أن المستعمر كان يناهض فكرة تعليم الفتيات للأسباب المذكورة ، ولكن في الفترة من 1911-1919 تم فتح أول مدارس من قِبل الادارة البريطانية في شمال السودان !! ما السبب في تغيير الادارة البريطانية مفهومها لتعليم الفتيات بفتح هذه المدارس !!؟
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...