المرأة السودانية تحت ظلال الإستعمار ج”١”

المرأة في عهد التركية بالسودان:
لكي يتسنى لنا الحديث عن وضع المرأة السودانية في فترة التركية كان لابد من إعطاء خلفية عن طبيعة المجتمع الذي كانت تعيش فيه آنذاك. يتمحور مقالنا عن ماهو الأثر الذي أحدثه الأتراك على النساء في السودان خلال فترة حكمهم؟ شهدت التركية في السودان تراجع في وضع النساء، وسوف يتجلى لنا ذلك من خلال النظر إلى وضعهن في التعليم الحديث، ودورهن في الحياة العامة والعادات والتقاليد الإجتماعية، وتأثرهن بالظروف الإقتصادية .
بالنسبة للوضع التعليمي للمرأة شهد السودان قبل التركية التعليم الديني التقليدي في الجامع والخلوة، الذي كان يشمل الولد والبنت ولايوجد فرق بينهما . بعد دخول التركية لم يضف محمد علي باشا شيئاً من التعليم الحديث للبنات لا في السودان ولاحتي في مصر. وفي العام 1863م افتتحت خمس مدارس في كل من الخرطوم، وبربر، وكردفان، ودنقلا، والتاكا لكن كلها للأولاد فقط.أما البنات لم تفتح لهن ولا مدرسة واحدة طيلة فترة الحكم التركي ،وقد شاع وجود مدارس للمعارف المنزلية في الخرطوم تديرها نساء مصريات لتعليم التطريز والطبخ.أما خارج المدن فقد إشتهرن في عهد التركية العديد من النساء المعلمات والمتعلمات كالسيدة ريه بنت أبي زيد، وبنات الشيخ بدوي أبي صفية، والشريفة مريم الميرغنية، والشيخات معلمات القرآن في شرق السودان ووسط السودان كالشيخة أمونة بنت عبود في منطقة الشايقية والتي أقامت مؤسسات تعليمية كبيرة في منطقتها؛ حتى أن الحلة الأن صارت تعرف بإسم حلة أمونة. وفي كردفان وجدت الشيخة أمنة الهوارية. وفي دارفور أيضاً كان تعليم البنات تقليدياً ويقول محمد إسماعيل: (لقد كانت في دارفور فعلاً نهضة دينية مرموقة، وكانت البنت هناك تتعلم قبل الولد بل كان شرطاً أساسياً للزواج أن يكون الزوجان متعلمين ولذلك ليس غريباً أن نجد معظم نساء دارفور من كبار السن يعرفن القراءة، والكتابة، ويحفظن القرآن) نجد أن المرأة في القرن التاسع عشر كانت تتعلم تعليم ديني فقط خارج المدن للراغبات ،وكانت أغلبهن ينخرطن في صفوف التصوف الذي كان يمثل الإتجاه الأكثر شيوعياً في تلك الفترة ، ولم يعمل الأتراك على إدخال أي نوع من التعليم الحديث للنساء في السودان مما ترتب علي هذا الوضع أثراً سلبياً فيما بعد هو عدم السماح للبنت بالذهاب إلي المدرسة ، ويتضح لنا هذا  الأثر في العناد الذي وجده الأستاذ بابكر بدري عندما دعا إلى تعليم البنات.
اتسم الواقع الإجتماعي في التركية في السودان بالإنحلال الأخلاقي الذي غطى كافة المدن ، فقد ورد في عدد من المراجع التي تحدثت عن تاريخ مدينة الخرطوم في عهد التركية عن وجود مناطق سكنية معزولة توجد بها بيوت للبغاء يديرها رجال ونساء من شمال وغرب السودان، وكانت النساء في الغالب من المسترقات بسبب ضغوط الظروف الإقتصادية الصعبة ، فإنتشرت دور الدعارة والمريسة (الأنداية والمانديرة) في كل قرى ومدن السودان.
من العادات والتقاليد التي كانت تقوم بها المرأة السودانية في فترة التركية عادات المأتم التي اتصفت بالنواح والبكاء على الميت، والحداد لمدة طويلة تصل إلى ثلاثة سنوات ، والمناحات الملحنة، والرقص وذر الرماد على الرؤوس .أيضاً عادة العلاج بالزار التي يؤرخ انتشارها في السودان في تلك الفترة، وذلك أن إبنة أحد الباشوات أصيبت بمرض استعصى علاجه الأطباء، وشفيت عن طريق الزار، وبعدها انتشر في كل مدن السودان ، وما يؤكد ذلك ذكر فاطمة التركية في أغاني الزار كواحدة من مشايخ الزار الأوائل في السودان.
أيضاً العمل بالطب الشعبي (الحجب والتمائم) ، وانتشار عادة الخفاض الفرعوني بكثرة .أغلب هذة العادات التي مارستها المرأة آنذاك اغرقتها في وهم وتخلف ما زال بعضها موجوداً إلى الآن . لم يسعى الترك في السودان لفرض الحجاب، والفصل بين الرجال والنساء الذي سائداً عندهم في  الحرملك ، ولكن الفصل انتقل تدريجياً بالقدوة لبيوت كبار التجار السودانيين ، فقد عرف عن الياس باشا أم برير فرضه الحجاب على نساء بيته وعدم ظهورهن إلا في المناسبات الكبيرة.

أما بالنسبة لدور المرأة في الوضع الإقتصادي اتسم بدرجات متفاوتة حيث أن قلة من النساء هن زوجات الحكام وكبار التجار يعيشن في رفاهية ،والأعمال المنزلية كان الرقيق يقوموا بها. أما بقية النساء فقد كن يعشن ظروفاً إقتصادية عصيبة حتى المتزوجات كان أزواجهن يذهبوا إلى غارات الرقيق ويتركوهن ، وذلك بحثاً عن مكاسب مادية من تجارة الرقيق. مارست المرأة في التركية صناعات متعددة مثل صناعة الدمور الذي كانت تصنعه النساء في البيوت، وصناعات السعف المختلفة .أيضاً ورد الحديث عن صناعات دخلية إلى السودان مثل آلة معالجة الصمغ العربي للتصدير التي كان النساء يعملن بها ، وكان النساء يشاركن في الزراعة وجمع القطن .

خلاصة القول من خلال هذا السرد عن المرأة السودانية في فترة التركية نجد أن وضعها تراجع للوراء، وتلاشت مكانتها وأصبح ينظر إليها كجسد لاعقل لها، و ليس لها مجالاً بأن تكون قائداً، ولم تُترك لها فرصة للمشاركة في إدارة البلاد، ولم تنل حظاً من التعليم الحديث الذي أدخل مما أثر ذلك سلباً عليها لاحقاً في المجتمع السوداني.

Related posts

إشكالية إدارة التنوع الثقافي في السودان

الديمقراطية للديمقراطيين

جرائم عبر القرون ج (10)

1 تعليق

ودموسي 2021-04-24 - 2:33 مساءً
الموضوع جميل جداً. سبب تراجع المرأة بتخيل لى دخول الثقافات المختلفة وتحمل أعباء البيت. لكن المرأة بدات تعيد نشاطها من جديد وبرزت في مجالات كتيرة واثبتت وجودها
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...