“المال والحب”
هل الحب يجلب المال،أم المال هو من يجلب السعادة والحب.فالحب لا يشترى ولا يباع والمال لا يستطيع
حماية الحب من الانهيار،إنه صراع مستميت بينهما يجعلنا نتسائل من الاقوى بينهما.هل أصبح مجتمعنا مادي أم المال والحب متصلان ببعضهما البعض.
فقد تطرق هذا العمل الفني الرائع جدا جدا الذي أحدث ضجة كبيرة عند عرضه في منتصف الثمانينيات،ونجح نجاح باهر في عرض الصراعات الأبدية في مجتمعنا المتنوع وأبرز صراع المال والحب والتعليم والسلطة والنفوذ بطريقه سلسة ومباشرة،أدت إلى تجاوب المجتمع السوداني مع هذا العمل الراقي والجاذب.والملفت إنه تكلفة هذا العمل الكلي كانت ربع تكلفة شراء مسلسل عربي،فهذا يعتبر انتصار كبير لمخرج العمل الراحل “فاروق سليمان”.
عندما يرتبط الحب بالمال سيفضي حتما إلى علاقة ذات قواعد فوضوية وعشوائية،فهنا “الحاج عثمان”يبحث عن الحب بعد كبر سنه بواسطة ماله،والفتاة الشابة الصغيرة الجميلة تبحث عن المال بواسطة زواجها من الحاج وتنجح في ذلك بحنكتها.
والابن الاكبر “سليم” يبحث عن السعادة والحب بواسطة ماله عن طريق محاولته سرقة حبيبة أخيه أو بما يسمى بالعامية عندنا “الشلب”،وسخريته من المتعلمين بانهم مضيعين زمنهم في القراية.وضربه المثل في نفسه انه طيش الفصل وحاليا يملك المال والتجارة.
هنا نتسائل هل الحب يصنع المعجزات وبإمكانه أن يجمعنا بمن نحب من دون أن يكون عائقا ومانعا للعلاقات،وهذا ما سنراه مع الابن الثاني “عادل”الشاب المتعلم المثقف الذي يقاتل من أجل حبه والدفاع عنه من اخيه الأكبر ومحاولة المحافظة على حبيبته والزواج منها بالرغم من الصعوبات التي تواجهه بعد التخرج من الجامعه،فهنا يحدث صراع عنيف بين المال والحب.فأيهما من ينتصر يا ترى.
إن من جماليات هذا العمل الفني اهتمامه بتفاصيل إظهار المناطق الزراعية و المعالم التاريخية والخالدة في العاصمة المثلثة من جامعة الخرطوم إلى مسجد النيلين إلى كبري الحديد إلى جزيرة توتى وأخيرا اهتمامه بتفاصيل البيوت السودانية الأصيلة،من أطقم الكراسي إلى سفر الطعام وأبواب الخشب الجميلة والناس القيافة في لبسها ومنظرها العام.
ولا ننسى أن المسلسل ناقش قضايا كثيرة كانت قائمة في تلك الفترة من الثمانينيات كقضية تهريب يهود الفلاشا وفساد أصحاب النفوذ في إستغلال السلطة وكسب المال بطرق غير مشروعة.أيضا ما لفت انتباهي تطرق العمل إلى موضة الذهب في تلك الفترة ومناقشة الأم مع بنتها بشراء شيلة فخمة لابنهم من أطقم الدهب الشائعة تلك الفترة “كرسي جابر – دقن الخميني – دقن الباشا”.
أخيرا أعتقد ان المشاهد الكريم قدم له إرثا دراميا عظيما في حبكة درامية وتجسيد للشخصيات والاخراج والقصة الرائعة التي مثلت من كوكبة فنية تاريخية بقيادة “تحية زروق-عوض صديق – محمد شريف علي – محمود الصايغ ورجاء ميرغني وأسرار مصطفى وجلال البلال وغيرهم من المبدعين في ذلك الزمن الجميل.
فذلك يجعلنا نتعجب من تدهور وتراجع الأعمال الدرامية المتميزة والراقية التي كانت تقدم في وطننا الحبيب،وتمنياتنا بنهضة ثورية في هذا المجال وتطويره فالفن هو مرآة للدول المتقدمة ودليل سياحي يقدم للزائر والغريب.
9 تعليقات