الكوليرا حيث الماء سر الحياة وسر الموت

الماء، هذا العنصر البسيط الذي يحمل في قطراته سر الحياة، قد يتحول في لحظة إلى سر الموت. كوب ماء ملوث يمكنه أن ينشر المرض ويهدم أجسادًا أرهقها الفقر والصراع، بينما كوب ماء آخر، ممزوج بالملح والسكر، قد يعيد الروح لمن يحتضر من الجفاف. الكوليرا، هذا المرض القديم الذي رافق المجتمعات التي تفتقر إلى بنية تحتية صحية، يعود ليطل بظله الثقيل على السودان، حاملاً معه رائحة الموت والمعاناة في زمن تمزقه الحروب.

بين ماء ينقذ وماء يقتل، تكمن مأساة الكوليرا التي لا تزال تحصد الأرواح، خاصة في ظل النزاعات التي تضاعف من سوء الظروف الصحية، وتجعل من المرض عدوًا لا يرحم في معركة غير متكافئة بين الإنسان والبيئة الملوثة.

في قلب الأزمات التي تعصف بالسودان، يتجدد ظهور الكوليرا كعدو قديم في ثوب جديد، يحمل معه الموت لمن لا يملك وسيلة للنجاة. المرض الذي عرفه العالم قبل قرون لا يزال حاضرًا بقوة، يُذكِّر الجميع بأن الأوبئة ليست مجرد أرقام، بل قصص بشرية من الصمود والمعاناة. بين مياه الأمطار المتراكمة والصرف الصحي المنهار، وبين الحرب التي دمرت البنى التحتية، تتجدد معركة البقاء في السودان، وتصبح تفاصيل المرض، علاجه، وأسبابه جزءًا من نسيج الحياة اليومية.

الكوليرا مرض بكتيري حاد تُسببه بكتيريا Vibrio cholerae، التي تنتقل عادةً عبر المياه أو الأطعمة الملوثة. يبدأ المرض بإسهال مائي شديد، إذا لم يتم علاجه بسرعة

      • إسهال مائي كثيف يُشبه “ماء الأرز”.

      • غثيان وقيء.

      • تشنجات عضلية نتيجة فقدان البوتاسيوم.

      • جفاف شديد يظهر على شكل انخفاض في مرونة الجلد، وتغير لون الأطراف، وانخفاض ضغط الدم.

من دون تدخل طبي سريع، يمكن أن تُسبب الكوليرا الوفاة في غضون ساعات، خاصة بين الأطفال وكبار السن.

في عام 1854، كانت لندن تعيش أزمة كوليرا  أرعبت الجميع. كان المرض لغزًا يُفسره العلماء بـ”الهواء الملوث” ظنا منهم ان الهواء هو السبب ، لكن الطبيب جون سنو كان يحمل رؤية مختلفة حيث بدأ يتتبع المصابين ويرسم خريطة لتوزيع الحالات.  ما لاحظه سنو كان ثوريًا: معظم الإصابات كانت تُحيط بمضخة مياه واحدة في شارع برود.

ظنا منه ان الماء هو السبب قرر إزالة مقبض المضخة لمنع استخدامها، وبالفعل،بعد ازالتها توقف الناس عن استخدام هذا البئر  انخفضت الإصابات بشكل ملحوظ. كانت تلك الخطوة أول دليل على أن الكوليرا ليست مرضًا هوائيًا بل يرتبط بالماء.

ذكرت هذه القصة لان السيول التي جرفت سد خزان اربعات .. و غمرت الكثير من الابار و خلطت مياه الصرف الصحي بالمياة المخزنة للشرب الاتية من الامطار .. هي نفسها مضخة جون سنو .. هي مصدر الانتشار  وتتبعنا للمياه والحالات سيدلنا على مصادر العدوى


السودان اليوم يعيش مأساة الكوليرا مجددًا، حيث تداخلت الحروب مع الكوارث الطبيعية لتخلق بيئة مثالية لانتشار المرض. الفيضانات الغزيرة دمرت قرى بأكملها وجرفت مياه الصرف الصحي إلى مصادر المياه النظيفة. في خزان أربعات بولاية البحر الأحمر، تُشبه القصة الى حد ما ما حدث في شارع برود بلندن : تحول المصدر الأساسي لمياه الشرب إلى نقطة تفشي المرض.

إلى جانب خزان أربعات، تُعد الآبار المكشوفة والأنهار الملوثة في القرى المتضررة من الحرب بيئة مثالية لتكاثر بكتيريا الكوليرا. انهيار البنية التحتية الصحية وعدم قدرة المستشفيات على استقبال المصابين بكفاءة جعل الوضع أكثر خطورة.

وفقًا للتقارير الأخيرة،وأفادت وزارة الصحة، الأربعاء، بظهور 14944 حالة إصابة بالكوليرا في 10 ولايات مع تسجيل مئات الوفيات. الأعداد الحقيقية قد تكون أعلى بسبب ضعف الإبلاغ الرسمي وصعوبة الوصول إلى بعض المناطق النائية.

كانت مدينة الهلالية في السودان شاهدة على مأساة أخرى. سقط أكثر من 450 شخص بعد اعراض تشبه اعراض مرض الكوليرا . و تضاربت المعلومات و حاولنا تقصي الحقائق فوصلنا الى طريق مسدود بسبب تضارب المعلومات و ندرتها .

 سنسردها كما وردتنا . حوصرت المدينة من قبل مليشيا الدعم السريع و تدهورت اوضاع المدينة الغذائية فقدم لهم افراد الدعم السريع 80 شوالا من القمح كمساعدة لهم .

بعدها وخلال خمسة ايام قضى 450 شخصا نحبهم بعد وعكة صحية تمثلت في الاسهال و القيئ. وتضاربت المعلومات حيث قال البعض ان القمح كان مسمدا – مسمما بسماد من نوع ما – وان الدعم السريع قتل من الاهالي من قتل بالرصاص و قتل البقية بالسم في جريمة حرب نكراء .

بينما قال افراد الدعم السريع ان الاهالي شربوا من بئر مهجورة و اصيبوا بالكوليرا و استشهدوا بالاعراض وان بعض النازحين من هذه المدينة وصل الى مناطق اخرى وتم تشخيصه بانه مصاب بالكوليرا وهذا ما اكده بعض الاطباء في المناطق المجاورة  .

اعترض على روايتهم بعض الاطباء قائلا ان الكوليرا لن تقتل هذا العدد في خمسة ايام بعد تعرضهم للماء الملوث مهما كان  .  كما نوه البعض انها ليست كوليرا بل تسمم واستشهد بحجة منطقية جدا  .. بانه لم يصب احد من افراد الدعم السريع بالاعراض ولو كانت كوليرا لاصابتهم لانهم يشربون من نفس الماء . واجاب افراد المليشيا بان بعض من قواتهم قد اصيب بالفعل بهذا الوباء

عموما بسبب نهب الدعم السريع للصيدليات و المستشفيات في هذه المدينة فقد توفي معظم المصابين. و هكذا، فقدت الهلالية جزءاً من قلبها. وتركت جرحا غائرا في اعماقنا .


في مواجهة الكوليرا، يبرز محلول الإماهة الفموية (ORS) كواحد من أعظم الاكتشافات الطبية لإنقاذ الأرواح. المحلول البسيط، المكون من:

            • 6 ملاعق صغيرة من السكر.

            • نصف ملعقة صغيرة من الملح.

            • لتر واحد من الماء النظيف.

يوفر علاجًا فوريًا لتعويض السوائل والأملاح المفقودة نتيجة الإسهال. يمكن تحضيره بسهولة في المنزل باستخدام المكونات المتوفرة، مما يجعله وسيلة مثالية للعلاج خاصة في المناطق التي تفتقر إلى الرعاية الطبية.

بكتيريا الكوليرا تنتج سموما داخل الامعاء مما يجعل

بكل بساطة يجب تعويض السوائل و الاملاح  . هذا هو علاج الكوليرا البسيط الذي يجب توفره في كل منزل . وهو ايضا المظروف المغلف الذي توزعه نقاط المنظمات الدولية التي تقاوم الكوليرا . مظروف يذاب في لتر من الماء . و يحتاج الشخص البالغ المصاب بالكوليرا الى 6 لترات من الماء ومحلول الملح و السكر يوميا لمقاومة الجفاف . الملح لتعويض النقص في الاملاح و السكر لتسهيل امتصاص هذه الاملاح من قبل الجسم .

            1. يتم غلي الماء أو استخدام مياه معبأة نظيفة.

            2. يضاف اليها 6 ملاعق صغيرة من السكر ونصف ملعقة صغيرة من الملح.

            3. يتم الخلط جيدًا حتى يذوب الملح والسكر تمامًا.

            4. و يتم شرب شرب المحلول تدريجيًا على مدار اليوم.


  1. :  ينصح بغلي المياه قبل تناولها.

  2. : يجب تحسين الصرف الصحي ( الحمامات والتخلص من الصرف الصحي بعيدا عن مصادر المياه )

  3. غسل اليدين بالصابون هو من أهم وسائل الوقاية.

  4. تتوفر اللقاحات ضد الكوليرا

  5. من خلال التوعية بأهمية النظافة الشخصية وسلامة المياه، يمكن الحد من انتشار الكوليرا.

  6. حيث ان خلط حليب الاطفال بالماء قد يسبب لهم الكثير من الامراض .

 

الكوليرا، رغم خطورتها، ليست حُكمًا بالموت. القصص التي بدأت من مضخة شارع برود وخزان أربعات تُثبت أن العلم والوعي يمكنهما إنقاذ الأرواح. من لندن إلى السودان، يُعلمنا التاريخ أن الأمراض ليست قدرًا محتومًا، وأن الأمل يبدأ بالإجراءات البسيطة:

 

الكميات المطلوبة لتحضير كمية مناسبة كطواريء

                • 10 كغ سكر

                • 1.3 كغ ملح الطعام

                • 750 غرام كلوريد البوتاسيوم

                • 1.45 كغ بيكربونات الصوديوم

  • : ضع المكونات جميعها في وعاء نظيف وجاف، وامزجها جيدًا للتأكد من توزيع كل مكون بالتساوي. سبب الخلط الجاف هو المحافظة على المسحوق جاهزا عند الحاجة و عدم تلوثه

  • استخدام أكياسًا محكمة الإغلاق مقاومة للرطوبة للحفاظ على المسحوق من التكتل أو التلف بسبب الرطوبة. كل مظروف يحتوي على 27 غراما من المسحوق و ويضاف الى لتر من الماء

على كل كيس، توضع تعليمات توضح كيفية التحضير كالتالي :

      • أفرغ محتوى الكيس في لتر واحد من الماء النظيف أو المغلي

      • حرك المحلول جيدًا حتى يذوب المسحوق بالكامل.

      • ينصح باستخدام المحلول في نفس اليوم، ويُفضل التخلص منه بعد 24 ساعة إذا لم يُستهلك بالكامل. و يستهلك 6 لترات من المحلول يوميا الى ان تمر الوعكة

 

Related posts

آلام مخفية

العلاج بالطب البديل

العلم في وجه الحرب

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...