352
لعلها عَتبة عنترة بن شداد القديمة؛ حين وقف على نواصي التعبير و تملكته الحيرة.
كيف سيبدأ قصيدته التي تعتمل في دواخله؟.
بأي كلمةٍ سيبدأ، بل و أي شئٍ سيكتب و كل موضوعٍ و تعبيرٍ و معنى قد تناوله الشعراء.
هو يريد أن يكتب و لكن كيف يخرج عن نطاق المألوف و المطروق؟.
يريد أن يُعَبِّر و لكنه ثمة مانع، أو كما قال الدوش ”الجوف يطقطق بالكلام“، ثمة أحرف لابُد أن تُكتب الآن، و لكن كيف؟
فبدأ من هذا السؤال ذاته معلقته الشهيرة:
”هل غادر الشعراءُ مِن متردم.. أم هل عرفت الدار بعد توهم“.
هو حالي كذلك؛ منذ أوقات لا أعرفها في خاطري الكثير من الكلمات التي (تناضل) لتتحرر من سجن الجوف؛ و لكن الموانع والحواجز كثيرة.
لست من الذين يكتبون بطقوس معينة؛ فعادتي طوال سنوات كتابتي متى أردت الكتابة بدأت، و لست كـ أبي إسحاق الغزي الذي قال:
”قالوا هجرت الشعر قلت ضرورة … باب الدواعي والبواعث مغلق
خلت الديار فلا كريم يرتجى … منه النوال ولا مليح يعشقُ“.
تساءلت كثيراً عن كيف سيكون حالنا لو حرمنا مقدرة التعبير، أن تشرح ما تشعر به، أن يكون لك الحق في أن تبكي، تصرخ، تصرِّح بحبك، تشرح لواعج قلبك، تحكي حُزنك، لا أقصد الكتابة أو التحدث، و إنما أعني التعبير أياً كانت وسيلته.
تخيل أن تُحرَم نعمة أن تبث ما يغلي بداخلك، ذاك الذي تشعر أنه لو كتمته ربما سيقتلك كمداً، لا شيء يعادل أن تعبر عن شعورك في لحظة من اللحظات و لو كان دموعاً تذرفها عزاءاً لذاتك التي لا مُعَزِّي لها.
نحن الذين تخنقنا العَبرات فَينَفًس عَنًا لحن، نبكي حتى نتخيل أننا لم نترك في المآقي بقية دمعٍ لأيامٍ قادمة.
تحس في لحظةٍ من اللحظات أنك لست على ما يرام؛ لا تعرف ما بِك بالضبط و لكن ثمة شئ غير طبيعي، حتى تقرأ جملة ما، أو تسمع بيتاً من الشِعر فتشعر و كأنه فُصِّل ليناسب مقاس إحساسك تماماً، أسطر وقعت عليها عينك و أنت عابر؛ فتمثل حالك حتى تعتقد أنك أنت مَن يجب أن يكون كاتب هذه الكلمات.
ها أنا ذا أقف على ناصية اللغة بحروفها التي تعرفونها، بمفردتها اللا محدودة، عاجز تماماً حتى أن أكتب جملة واحدة مفيدة، عاجز حتى أن أُفسِّر ما الذي أحاط بشعوري في ما مضى، و لا في الذي سيأتي عزائي في كلمات الشاعر السوداني العامي (مُحمد أحمد الحِبَيّب) و هو يردد على صوت محمد النَصري:
”الجامعة في دار النعيم
والدنيا كلها إمتحان“.
Copyright secured by Digiprove © 2021 Ashraf Eltom