قرأت قصة عن سائح عربي يحكي عن أول زيارة له إلى إيطاليا، واستعداداته قبل الرحلة بأيام بالقراءة والاطلاع على أبرز معالم إيطاليا السياحية و الأماكن التي ينصح بزيارتها أو تجنبها، واتفقت التحذيرات من إحدى محطات القطار التي وصفها المعلقين الذين سبقوه بالزيارة على أنها تَجمع للنشالين وقُطاع الطرق، وبعد وصوله إلى إيطاليا بأيام شاءت الظروف أن يستقل القطار من تلك المحطة، وبمجرد نزوله من سيارة التاكسي شده شخص ذو مظهر غريب و حدثه بلغة غير مفهومة، مباشرة ظن السائح أنه أحد قطاع الطرق، فتسارعت خطواته ليتفاجأ بالشخص يلاحقه حتى أصبح مهرولاً وكل أمنياته في تلك اللحظة أن يصل إلى القطار قبل أن تتم مهاجمته من قطاع الطرق، وفجأة تعالت أصوات المارة من حوله، فتوقف للحظة، ليتفاجأ بأن جميع المارة ينبهونه ليتوقف ويأخذ محفظته التي التقطها الرجل حين سقطت منه بعد نزوله من التاكسي.
رغم طرافة القصة إلا أنها لم تنتهي بضحكة صغيرة، بل جرت أفكاري للتفكير في مجتمعاتنا المصابة بالعمى الفكري وهذا نتيجة لخلفيتنا الفكرية وآراءنا المسبقة والقصص التي تربينا عليها، مما وجه أدمغتنا لاتجاه خاطئ وقادنا لتصرفات سريعة قبل أن ندرك تفاصيل المواقف التي نمر بها، حتى أصبحنا مستنسخين ميالين لسوء الظن وتوارثنا عماً فكرياً يمنعنا من التفكير باحتمالات أخرى غير التي تم تلقيننا إياها سابقاً.
هنا لا أعني أفراد بعينهم بل أتحدث عن أمة بمجملها، وهذا ما ألاحظه بنسبة عالية على مستوى تباين ترتيب الأفراد، الذين يكونون نسقاً اجتماعياً.
أكاد أجزم أن العمى الفكري من أول أسباب تراجع الأمة العربية ففي عقد ما قبل الربيع العربي الأحمر اعتادت المجتمعات على التأمين خلف الأئمة بقول آمين بعد كل دعاء مع اختتام أي لقاء، متأملين في صلاح الحال بأمل دون عمل، أو تراهم مصفقين بين مصدقين ومنافقين ومستفيقين على دوي صفقات المصفقين مشاركين؛ مع نهاية كلمة أحد المسؤولين المسوفين بعد أن يغرق السامعين بالوعود التخديرية التي أكل الزمن عليها وشرب ولم تطبق حتى الآن.
هذا الحال والعمر يجري ومنذ نعومة أظافري وأنا أتسائل عن الزمن الذي تخسره أمتنا التي استبدلت العمل بالدعاء والنقد بالتصفيق.
ويوماً بعد يوم استمر (التبلد) في التمييز بين الصواب والخطأ وانحصرت التوقعات في إطار ضيق، دون جدوى واضحة تُعافينا من سلوكيات وظواهر مجتمعاتنا المُغَيبة التي قد تنشغل مثلاً … بإنفصال عروس عن زوجها في أولى شهور زواجها بأول ظن سيء يطرأ على البال كخيار أقرب للصواب، في حين أنهم لو أيقظوا عقولهم قليلاً، لتجلت لهم الحقيقة، ولو أيقظوا عقولهم أكثر لعفوا أنفسهم من متابعة الآخرين متلصصين على عيوبهم، بل سيلتفتون إلى أنفسهم آمالهم رؤاهم المستقبلية وأهدافهم السامية، التي سترتقى بمجتمعاتنا والأجيال القادمة، ربما هذا التصرف سيكون أول نقطة ضوء تنير ظلام أفكارهم وتنتشلهم من وصف العمى الفكري.
شاركوني في مساحة التعليقات بعض السلوكيات المجتمعية التي ترون أنها قادت مجتمعاتنا نحو واقعنا اليوم.