العلاقات الدبلوماسية بين مملكة كوش و الفرس
و ما أن انتهى عهد الأسرة الخامسة و العشرين الكوشية حتى انتهت معها الفتره النبتية، و قامت في مقامها الفترة المروية التي زاع صيتها و نالت شهرة لم تنلها الممالك من قبل ، و امتدت حتى أعالي النيل الأزرق و كانت عاصمتها مدينة مروي (البجراوية) على بعد 23 ميلاً شمال شندي.
بعد أن تولى بسماتيك الحكم في مصر قام بتأسيس الأسرة السادسة و العشرين فكانت مصر آنذاك تعاني عجزاً و ضعفاً في اقتصادها من شدة ما قاسته مع الإمبراطورية الآشورية في عهد الأسرة الخامسة و العشرين ، فقام بتقوية الصناعات و إحياء العلوم فيها، كما عمل على حماية الحدود من غارات العرب و السوريين ، و وضع جنوداً في حامية إلفنتين النوبية لحامية حدود دولته من الكوشيين. فقد كان لبسماتيك جيش قوي من اليونان فحارب به كل حروباته مع الدول المجاورة له ،إذ يرى المؤرخ الإنجليزي (شارب) أن بعض من هؤلاء الجنود هربوا إلى مملكة كوش فحاول بسماتيك التوسل إليهم بأن يعدلوا عن رأيهم لكنهم لم يستجيبوا لهم، فلما وصلوا إلى مروي ذهبوا إلى ملكها الذي رحب بهم وضمهم إلى جيشه.
تبدأ علاقة مملكة كوش مع الفرس بعد أن استتب لقمبيز الفارسي الأمر في مصر و صار في عز و منعة و أسس الأسرة السابعة و العشرين ثم فكر في غزو مملكة كوش.
وقد روى المؤرخ اليوناني هيردوت قصة قمبيز مع مملكة كوش :
رأى قمبيز أن غزو مملكة كوش يحتاج أولاً إلى استكشاف أحوال المنطقة و من ثم معرفة لغتهم فقام بإرسال جواسيس من إلفنتين الذين كانوا على معرفة بلغة الكوشيين و طبيعة منطقتهم، فأرسل معهم هدايا فاخرة و هي ثوب من الأرجوان و طوق من الذهب و أساور و صندوق من الرخام و نبيذ من البلح كما حملهم رسالة فحواها (إن قمبيز ملك الفرس يرغب في صداقتكم و حمايتكم ولقد أرسلنا رسولاً للتفاوض معكم و لكي نسلمكم هذه الهدايا التي يقدرها و هو شخصياً و يستعملها). إلا أن الملك الكوشي فهم القصد من وراء هذه الرسالة فقال لهم ليس حب المخالفة هو الذي حمل قمبيز على إرسالكم إلي بهذه الهدايا ولا انتم تقولون الحق و لكنه طمع في بلادي، ثم أعطاهم قوساً و أمرهم بأخذه إلى قمبيز و أن يخبروه بأنه متى ما أراد الحرب فهو جاهز فليأت للحرب معه، ثم أخذ مهم الثوب الأرجواني و سألهم كيف صنع فأخبروه، فقال هؤلاء خداعون و أثوابهم خادعة، ثم سألهم عن الطوق و الأساور فأجابوا أنها حلي و شرحوا له طريقة لبسها و قال ضاحكاً متعجبًا كنت أظنها سلاسل لقيد!، ثم سألهم عن النبيذ الذي نال إعجابه و استمتع بشربه، كما سألهم عن الأطعمة التي يأكلها ملوك فرس فأجابوا أنهم يأكلون خبزاً مصنوع من القمح و أن متوسط أعمارهم ثمانين سنة، لا أعجب بقوم أعمارهم قصيرة فلولا النبيذ لما بلغوا الثمانين أما نحن فأعمارنا المئة و العشرين و بعضنا يفوق هذا السن،ذلك لأن طعامنا اللحم المسلوق و شربنا اللبن، فدهشوا بطول حياة النوبيين فأتى بهم الملك الكوشي إلى نبع ماء عجيب إذا اغتسل به أحد أصبح جلده ناعماً لامعاً و فاحت منه رائحة طيبة، ثم سار بعضهم إلى السجن فكانت الدهشة الكبرى بأن رأوا المسجونين مقيدين بقيود ذهبية، ثم أتى بهم إلى مائدة الشمس فهي مملؤة بأطعمة من لحوم الحيوانات فيأتي من شاء نهارًا و يتناول غداءه ،و كان يشاع أن هذه المائدة تنبت من الأرض من وقت إلى أخر. و أخيراً زار قبور الكوشيين المصنوعة من البلور و المطلية بالجبص.
عاد الحواسيس إلى بلادهم و نقلوا لقمبيز كل ما شاهدوه في مملكة الكوش فغضب قمبيز غضبًا شديدًا و قرر في الحال تجهيز حملة لغزو مملكة كوش من غير أن يعطي توجيهات بتجهيز المؤن العذائية الكافية و فذهب بجميع جيشه إلا انه لم يقطع الطريق حتى نفذت منه المؤن فشرع الجنود في أكل حيوانات الحمل حتى نفذت و ظل مستمرًا في السير حتى أكلوا العشب و لم يفكر قمبيز في العودة الى مصر بل واصل سير الحملة حتى وصلوا إلى أرض جرداء ليس بها زرع ولا ماء فاضطر الجنود أكل بعضهم البعض فكانوا يجتمعون عشرة و يلقون القرعة فمن أصابته أُكل، فلما رأى ذلك قرر العدول و قفل راجعًا إلى طيبة بعد أن فقد عدد لا يستهان به من الجيش، ثم اتى إلى ممفيس و سمح لليونان بالرجوع إلى بلادهم و هكذا انتهت حملة قمبيز على كوش.