تسمع صوته فينشرح قلبك، ثم سرعان ما تميزه من بين آلاف الأصوات، فأسلوبه مميز ونبرته واضحة وطرحه أخاذ، يخاطب العقول فتدنوا له القلوب، قل أن تجد له مبغضاً أو ممقتاً ،متواضعاً لا يحد تعامله مع الناس حدود، لا تفارق الابتسامة محياه ولا يجانب عفيف القول لسانه.
ولد الشيخ محمد سيد حاج (وكنيته أبو جعفر) بمدينة حلفا الجديدة في العام 1972م، ونشأ بمنطقة الحاج يوسف شرق الخرطوم، بدأت مسيرته التعليمية بخلوة الحاج يوسف لتحفيظ القرءان الكريم وتدرج بالمراحل التعليمية المختلفة حتى تخرج من جامعة أمدرمان الإسلامية في العام 1998م، وقد نذر سنوات عمره في تعلم العلم الشرعي وتعليمه، وباتت تسجيلاته ومحاضراته-رغم صغر سنه- ذات القبول الأوسع والتأثير الأكبر في وجدان السودانيين وخاصة فئة الشباب الذين وجدوا في أسلوبه الوسطية دون تشدد أو غلو ولحرصه الدائم على غرس القيم الإسلامية في نفوس الطلاب فكان خير قدوة للكثيرين من الباحثين عن الإلتزام في زمن أصبح القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر.
تأثر في بداية مسيرته في تعلم العلوم الفقهية والدينية بمدرسه في المرحلة الابتدائية الأستاذ عبد الحي كوبيل، وبدأ بأخذ العلم الشرعي على يد الشيخ عبد الرحمن أبو زيد محمد حمزة والشيخ محمد عبد الله الحاج ثم تتلمذ فيما بعد على يد الشيخ عثمان ميرغني والشيخ شمس الدين التكيلة وغيرهم.وبدأ نشاطه الدعوي في عمر مبكر بإقامته للمواعظ في المدرسة وفي مسجد القرية وأصبح خطيباً للمسجد وعمره لم يتجاوز الثمانية عشر عاماً ومن ثم أصبح خطيباً وإماماً للمسجد الكبير بسوق حلفا، وإنضم بعدها لجماعة أنصار السنة المحمدية التي تنتهج المذهب السلفي وتأثر بمشايخها على غرار الشيخ محمد هاشم الهدية والشيخ عثمان محمد عثمان وأصبح بعدها إماماً وخطيباً لمسجد المؤمنين بحي الصافية.
كان الشيخ محمد سيد حاج ذا أسلوب متفرد فكان يجمع بين إحقاق الحق وعدم التهاون فيه وتجده هاشاً باشاً متلمساً لقضايا الناس، معايشاً لمشاكلهم، منصفاً لإخوانه ومن خالفهم فأسر قلوب الناس والتف حوله الشباب، وشهد له الخصوم بالخير وحسن الخلق قبل الأتباع والمحبين، تسمع بسيرته فيتبادر إلى ذهنك حديث النبي صلى الله وعليه وسلم: “إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحب فلاناً فأحببه، فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض”.
أثرى الشيخ المكتبة الدينية السودانية بعشرات المحاضرات والندوات والشروحات وألف عدة مؤلفات من أهمها: (فقه الائتلاف،لماذا لا ألتزم،رمضان فضائل وآداب وأحكام، والحروب الصليبية بين الأمس واليوم) كما شارك في العديد من المؤتمرات والندوات العالمية بدولة اندونيسيا وقطر والكاميرون وغيرها.وشغل عدة مناصب في السودان بكل من هيئة علماء السودان ووزارة الأوقاف والمجلس الأعلى للدعوة الإسلامية ومنظمة سبل السلام الخيرية.
وفي الرابع والعشرين من أبريل عام 2010م نعى الناعي الشيخ محمد سيد حاج عن عمر قصير لم يتجاوز ال38 عاماً قضى جلها داعياً إلى الله إثر حادث مروري وهو في طريقه لولاية القضارف لتقديم محاضرة بمنطقة (دوكة)، وكان قد ألقى قبلها بيوم خطبة بعنوان “السبيل إلى النهضة” توحي للمستمع بدنو أجله ويلتمس فيها نبرة التوديع والفراق، وقد أوصى بدفنه في محل وفاته حتى لا يشق على الناس، ولكنه نقل إلى الخرطوم ودفن بها، وشهد تشييعه آلاف المصليين الذين ضاقت بهم الطرقات والساحات من محبين وخصوم وكافة أطياف الشعب السوداني في مشهد مؤثر يحكي حب الناس له وحزنهم على فراقه.وعلى الرغم من مرور عشر سنوات على وفاة الشيخ ما زال صدى صوته يصدح في كافة أرجاء السودان، في الإذاعات والقنوات الفضائية والمركبات العامة والطرقات والأسواق والمحلات التجارية وغيرها، فرحل إلى جوار ربه وبقيت كلماته منارة بين الناس تهديهم طريق الرشاد.
356
المقال السابق