أن تكون شخصًا أسود اللون ما مدى السوء التي قد تواجهه في حياتك في العالم الحديث؟ سؤال عنصري دار كثيرًا في الماضي، لكن برغم إقرار قوانين المساواة والمواطنة ومحاربة العنصرية في الولايات المتحدة، ما زالت تتهم السينما الأمريكية بعدم محاربتها الكاملة ومناصرتها في العهد الحديث لمشاكل أصحاب البشرة السوداء في أمريكا. إن عنف الشرطة ضد أصحاب البشرة السوداء ما زال كما هو، بل يزداد يوميًّا، وما زال يبحث البعض عن تجسيد أعمق للسينما حتى ترسم صورة واقعية أحيانًا وخيالية أحيانًا أخرى، للعنصرية بأشكالها المتنوعة قديمًا أو حديثًا.
دائما ما تستهويني الأعمال السينمائية التي تناقش التمييز العنصري والعرقي في العالم أجمع ، بالأخص السينما الأمريكية التي بنظري تطرقت إلى هذا التمييز في العديد من أعمالها السينمائية عبر تاريخها الطويل الممتد والمستمر الى يومنا هذا ، وتناولت السينما الأمريكية العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء بمفاهيم ومضامين مختلفة بما فيها قصص النجاح والمواقف النضالية أو حتى الحكايات المأساوية، فتارة تبرز الضوء على أحداث تاريخية واقعية حصلت وكيفية تعامل المجتمع الأمريكي لها في تلك الفترة،وتارة تستنسخ سيناريوهات عن أثر هذا التمييز في المجتمع الأمريكي وكيفية التعامل معه وإيجاد حلول لتلك المشاكل الجمة التي يعاني منها مجتمع السود في بلاد العم سام في الفترة القديمة والحديثة.
مر التاريخ الأمريكي بفترات من البؤس والكراهية بسبب العنصرية ضد السود ورفضهم وعدم القبول بوجودهم في المجتمع، ما جعل هذه الفئة تطلق حراكا تاريخيا واسعا من نضال السود للمطالبة بحقوقهم ورفض تعرضهم للاضطهاد والقتل. على مدار سنواتٍ طويلة كان التاريخ شاهداً على إنتشار العنصرية بشكلٍ واسع بين البشر خصوصاً مع التدني الأخلاقي وإنحدار الرقي في التعامل وارتفاع نسبة الجرائم الناتجة عن مشاعر الحقد والكراهية عند أفرادٍ معينين تجاه البعض الآخر وخصوصاً ممن هم أدنى منهم درجة ويختلفون عنهم شكلاً ومضموناً.والعنصرية تعني اعتقاد الناس بأن هناك فروقاتٍ اجتماعية وثقافية وعرقية تجعلهم يتناوبون على معاملة الآخرين بغطرسةٍ ووحشية غير مبررة تصل لحد الإعتداءات الجسدية والتعليقات المشينة التي تسئ إلي شخوص طبقةٍ معينة من البشر دون وجه حق، والأمثلة كثيرة في دنيا الواقع ولعل هذا الأمر امتدت جذوره إلى عالم الواقع وعلي مرأي ومسمعٍ من الجميع دون حلول جذرية لإيقاف تلك المهزلة المنافية للعقل والمنطق الحياتي.والسينما بكل تأكيد تلعب دوراً في كشف الحقيقة وتسطير التاريخ بصورةٍ مرئية لإطلاع الناس على مظاهر متعددة لتلك الآفة خصوصاً تلك التي تسئ لمن هم ذوي البشرة الداكنة وما يتبعها من قسوةٍ مفرطة وإحتقارٍ لمن لا ذنب لهم في غدوهم هكذا.
التمييز العنصري والتفرقة الاجتماعية من الظواهر الخطيرة في المجتمعات على مر التاريخ، وما زال الإنسان يعاني منها حتى الآن. وتنص المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “جميع الناس يولدون أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق”، وتسعى المنظمات الحقوقية لمحاربة العنصرية بجميع أشكالها والحد من انتشارها. للإنسان حقه في التمتع بجميع الحقوق والحريات، دون النظر إلى دينه أو عرقه أو لونه أو جنسه، وبناءً على هذا خصصت الأمم المتحدة برنامجا “للقضاء على التمييز العنصري”، داعيةً لاتخاذ إجراءات ملموسة للقضاء التام على العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، وحثت الأمم المتحدة على احترام الآخر والتنوع وتعزيز الوحدة الإنسانية.
وطرحت السينما الأمريكية هذه القضية عبر تصويرها في عدة أفلام، بالرغم من قلتها مقارنةً بغيرها من الأفلام الترفيهية والرعب والأكشن، لكن السينما الأمريكية كونها موجهة لخدمة الجمهور الغالب على أي حال، والجمهور الغالب يريد ترفيهاً وليس تفكيراً، فإن الثلاثينات والأربعينات ثم ما تلاهما من عقود، حتى أواخر الستينات والقسم الأكبر من السبعينات، لم تكترث لتقديم أفلام كثيرة لا عن الإنسان الأسود كشخص ولا عن الموضوع العنصري كحالة ماثلة. غالبية ظهور الممثلين السود في أفلام الثلاثينات والأربعينات والخمسينات كانت من تلك التي تقدّمه على أحد نحوين: متخلّف عن الفهم، كسول وجبان (صورته في بعض أفلام سلسلة التحري تشارلي تشاين مثالاً)، أو شخص يمكن الوثوق به لأن طموحاته الشخصية متدنية ولا مطالب له فوق ما وُلد عليه. في هذا النطاق نجد شخصية الخادمة الوفية للعائلة الجنوبية مامي (هاتي ماكدانيال) في “ذهب مع الريح” (فكتور فلمينغ، 1939) ومثل شخصية عازف البيانو سام (دولي ولسون) في “كازابلانكا” (مايكل كورتيز، 1942) ، سام هو صديق ملائم وعازف بيانو موهوب لكن بشرته السوداء تبدو كنوع من الزينة في هذا الموقع المغربي في الفيلم.
ربما لم تنطلق تلك الصورة من خارج الواقع حينها، لكن هوليوود حافظت عليها إلى أن بدأ المخرجون يوفرون صورا للرجل الأسود أكثر أهمية من مجرد شخص بسقف معيشي منخفض وبطموحات بسيطة، ذلك ما سنناقشه معا في الجزء القادم من “ السينما الأمريكية وقضية العبودية والتمييز العنصري”
Copyright secured by Digiprove © 2021 Ashraf Eltom