سياسة جعفر نميري الخارجية (١٩٦٩_١٩٨٥م)
السياسية الخارجية مع دول شمال افريقيا:-
ليبيا:
عندما تسلم الرئيس جعفر نميري السلطة بعد الإنقلاب العسكري ، كانت حكومته في بدايه عهدها متطرفة في عدائها للإستعمار والصهيونية ، و في سعيها لتحقيق الوحدة العربية الشاملة، و تأثرها بكل ما يصدر من الرئيس المصري جمال عبدالناصر و لما كانت حالها هكذا فقد تبنت أفكار الرئيس الناصري حول ليبيا . ومن هنا يتضح مسارعة الحكومة السودانية لتأييد ليبيا بعد إعلان الناصر عن تأييده للثورة التي قامت فيها في سبتمبر ١٩٦٩م بقيادة العقيد معمر القذافي منذ يومها الأول.
اعترفت الحكومة السودانية بالثورة الليبية في اليوم الثاني لإندلاعها ، كانت هذه بدايه العلاقات السودانية الليبية و التي كانت أهدافها متطابقة بين الثورتين خاصة في معاداتها للإستعمار، و مناداتها بالوحدة العربية و إعتبارهما أن القضية الفلسطينية هي من أساسيات تحركاتهما الداخلية والخارجية ، واستمرت العلاقات طيبة بسبب تلك الأهداف.
قام وفد سوداني برئاسة السيد مأمون عوض أبو زيد بزيارة لليبيا لتوثيق الصلات بين البلدين ، كما أن لقاء القمة بين نميري والقذافي الذي تم في ليبيا في نوفمبر ١٩٦٩م قد زاد من ثوثيق العلاقات بين البلدين ، أدت هذه العلاقات فيما بعد إلى لقاء طرابلس بمشاركة مصر مما ترتب عليه إعلان مشروع الوحدة الثلاثية بين البلدان الثلاثة المتجاورة، كما اعتبر هذا التقارب خطوة لصالح الوحدة العربية بشكل عام، ولمصلحة البلدان الثلاثة بشكل خاص.
و إبان الإنقلاب الشيوعي في ١٩ يوليو ١٩٧١م أعلنت الحكومة الليبية عن مساندتها للرئيس نميري المحتجز رهن الإعتقال آنذاك ، كما قامت السلطات الليبية بإعتقال المقدم بابكر النور رئيس مجلس قيادة الثورة الجديد، و زميله الرائد فاروق عثمان حمدالله، وزير الداخلية السابق، و عضو مجلس القيادة الجديد و هما في طريقهما إلى الخرطوم قادمين من لندن عبر ليبيا وقد كانت القوات الإنقلابية ينتظرون مقدمهما على أحر من الجمر فكان إلقاء القبض عليهما ضربة مميتة للحركة إذ أصبح النظام الجديد جسماً بلا رأس.
تدهور العلاقات السودانية الليبية :-
كان لهذه الخطوات الليبية نتائجها الفورية فقد رفعت معنويات القوات المسلحة السودانية ، إلا أن الأمور بدأت تسير في طريق آخر بعد أن عاد النظام المايوي للسلطة فقد صب جُل غضبه علي الشيوعيين. و الشيوعية محلياً و عالمياً وكان نصيب الإتحاد السوفيتي من الهجوم و الإدانة بمساعداتها للإنقلابيين نصيب الأسد، و تدهورت تبعاً لذلك العلاقات السودانية الليبية حيث بدأ النظام المايوي في السودان يتجه نحو الغرب، و بدأت بوادر التباعد و فقدان الثقة و البرود تشوب العلاقة بين البلدين لأن الرئيس القذافي كان لا يزال يتمسك آنذاك بالميول للمعسكر الشرقي.
ونتيجة لكل هذه الأحداث قرر الرئيس نميري الإنسحاب من ميثاق طرابلس، و قد برر إنسحابه من مشروع الوحدة لدول ميثاق طرابلس لأسباب داخلية أهمها مشكلة جنوب السودان، و أنه لا يستطيع الدخول في وحدة مع دولة أخرى قبل أن تتحقق وحدة الشعب السوداني، وقد أبدى الرئيس الليبي استياءه من تخلف الرئيس نميري عن ركب الوحدة، وكان يرى أن الرئيس نميري كان عليه التأكد من ظروفه قبل الدخول في إلتزامات يصبح التخلي عنها أمراً غير مقبول.