السياسات الخارجية للحكومات العسكرية (ج٢)

◼️سياسة عبود الخارجية (١٩٥٨_١٩٦٤م):-

ممارسة الحياد كبديل ثالث في العلاقات الخارجية ، ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﻐﺎﻣﺾ ﻓﻰ ﺑﻌﺾ ﺟﻮﺍﻧﺒﻪ ﺍﻧﻌﻜﺲ ﺃﻳﻀﺎً ﻓﻰ ﻣﺠﺎﻻﺕ أﺧﺮﻯ ﻓﻰ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ . ﻓﻔﻲ ﺣﻴﻦ ﺍﺳﺘﻤﺮ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻓﻰ ﺗﺄﻛﻴﺪ إﻧﺘﻤﺎﺋﻪ ﺍﻟﻌﺮﺑﻰ إلا ﺃﻧﻪ ﻓﻀﻞ ﺍلإﺑﺘﻌﺎﺩ ﻗﺪﺭ ﺍلإﻣﻜﺎﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺼﺎﺭﻉ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻣﻦ أجل ﻗﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻰ، ﻭ ﻭﺍﻛﺐ ﺫﻟﻚ ﺍلإﺑﺘﻌﺎﺩ ﺃﻳﻀﺎ ﻋﺪﻡ ﺣﻀﻮﺭ ﻓﻌّﺎﻝ ﻓﻰ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ، ﻭﺗﻘﺼﻴﺮ ﻓﻰ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﻣﻊ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍلإﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻰ ﺗﻔﻌﻴﻞ ﺩﻭﺭﻩ ” ﻛﺠﺴﺮ ﺑﻴﻦ ﺃﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻰ ” ﻭﺍﻟﺬﻯ ﻛﺎﻥ أﻣﻼً ﺭﺍﻭﺩ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺎﺩﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﻦ، ﻭﺍﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ ﻓﻰ أﻋﻘﺎﺏ ﺍلإﺳﺘﻘﻼﻝ . ‏(ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻓﻰ ” ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺠﺴﺮ ” ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻰ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﺒﺮﻩ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺎﻧﺒﻴﻦ ﺍﻟﻌﺮﺑﻰ ﻭﺍلأﻓﺮﻳﻘﻰ ” ﺟﺴﺮﺍ ” ﻳُﻤﻜﻦ ﺍﻟﻌﺒﻮﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺗﺨﻄﻴﻪ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻓﺸﻠﺖ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺎﺕ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺒﺔ ﻓﻰ ﺗﺤﻘﻴﻘﻪ ﻣﻨﺬ ﺍلإﺳﺘﻘﻼﻝ ‏).

◼️السياسية الخارجية  السودانية تجاه مصر:-

ﺑﺪﺃﺕ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﻣﻊ ﻣﺼﺮ ﺑﻤﺒﺎﺩﺭﺓ ﻭﺩﻳﺔ، ﻓﻤﺼﺮ ﻛﺎﻧﺖ أول ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺇﻋﺘﺮﺍﻓﺎً ﺑﺎﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ، ﻭﻓﻰ ﺃﻭﻝ ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ إﺫﺍﻋﻴﺔ للأﻣﺔ ﻓﻰ ١٧ ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ﻭﻋﺪ ﻋﺒﻮﺩ ﺑﺘﺴﻮﻳﺔ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻣﻊ ﻣﺼﺮ ﻭإﺯﺍﻟﺔ ” ﺍﻟﺠﻔﻮﺓ ﺍﻟﻤﻔﺘﻌﻠﺔ ” ﺍﻟﺘﻰ ﺧﻴﻤﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﻠﺪﻳﻦ . ‏( ﻟﻌﻞ ﺃﺣﺪ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﺍﻟﺬﻯ ﺃﺩﻯ ﻟﻘﺮﺍﺭ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺧﻠﻴﻞ ﺑﺘﺴﻠﻴﻢ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻟﻠﻌﺴﻜﺮ؛ ﺗﺨﻮﻓﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﻮﺫ ﺍﻟﻤﺘﺰﺍﻳﺪ ﻟﻠﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﻤﺼﺮﻯ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ، ﻭﻗﻨﺎﻋﺘﻪ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍني ﻫﻮ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺓ  ﺍﻟﺘﻰ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻮﻗﻮﻑ أﻣﺎﻡ ﻣﺼﺮ، ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ ﻣﻨﻊ ﻗﻴﺎﻡ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻣﺘﺤﺎﻟﻔﺔ ﻣﻌﻬﺎ) ‏.

ﻭﻗﺪ ﺍﻋﺘﺒﺮ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺇﺑﺮﺍﻡ ﺍلإﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﻟﻤﻴﺎﻩ ﺍﻟﻨﻴﻞ ﻣﻊ ﻣﺼﺮ ﻓﻰ ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ١٩٥٩ إﻧﺠﺎﺯﺍ ﻛﺒﻴﺮﺍً، ﻓﻘﺪ ﻭﺍﻓﻖ ﺍﻟﺠﺎﻧﺒﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺣﺼﺔ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ، ﻭﺍﻟﺘﻰ ﺯﺍﺩﺕ ﻧﺼﻴﺐ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻧﻈﺮﻳﺎً، ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻌﻮﻳﺾ ﺍﻟﻤﺎلي لتهجير ﺍﻟﻨﻮﺑﻴﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺳﺘﻐﻤُﺮ ﺃﺭﺍﺿﻴﻬﻢ ﻓﻰ ﻭﺍﺩي ﺣﻠﻔﺎ ﻣﻴﺎﻩ ﺍﻟﺴﺪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﺪ إﺗﻤﺎﻣﻪ. ﻭﻛﻤﺎ أﻭﺿﺢ ﺧﺒﻴﺮ ﺳﻮﺩﺍني ﻓﻰ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻻﺣﻘﺔ:

”  ﻭﻗﺪ ﺃﺻﺮّﺕ ﻣﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺩﻓﻊ 10 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺟﻨﻴﻪ ﻣﺼﺮﻱ ﻓﻘﻂ ﻛﺘﻌﻮﻳﺾ ﻟﻠﺴﻮﺩﺍﻥ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﻴﻔﻘﺪﻩ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻭﺍﺩﻱ ﺣﻠﻔﺎ ﺟﺮَّﺍﺀ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺴﺪّ ﺍﻟﻌﺎﻟﻲ” .

ﻭﻟﻢ ﺗﻨﺠﺢ ﺗﻮﺳّﻼﺕ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ  ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻭﺿﺤﺖْ ﺣﺴﺎﺑﺎﺗُﻪ ﺃﻧﻪ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ 35 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺟﻨﻴﻪ ﻹﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﻮﻃﻴﻦ ﺍﻟﻘﺴﺮﻱ ﻷﻫﺎﻟﻲ ﺣﻠﻔﺎ، ﺳﻮﻯ ﻓﻲ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﻌﻮﻳﺾ ﺍﻟﻤﺼﺮﻱ ﺇﻟﻰ 15 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺟﻨﻴﻪ . ﻭﺣﺪﺙ ﺫﻟﻚ ﻓﻘﻂ ﺑﻌﺪ ﺭﻓﻊ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﻛﻮﺳﻴﻂٍ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ ﺑﻌﺪ ﺗﻌﻨّﺖ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﻤﺼﺮﻱ ﺍﻟﻤﻔﺎﻭﺽ . ﻭﻗﺪ ﺑﻴّﻨَﺖ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﺻﺪﻕ ﺣﺴﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ، ﺇﺫ ﻛﻠّﻔﺘﻪ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺗﻮﻃﻴﻦ ﺃﻫﺎﻟﻲ ﺣﻠﻔﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ 37 ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺟﻨﻴﻪ، ﺃﻱ ﺑﺰﻳﺎﺩﺓ ﺣﻮﺍﻟﻰ %25 ﻣﻤﺎ ﺩﻓﻌﺘﻪ ﻣﺼﺮ ”  ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺑﻴﻦ ﺳﺪ ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ ﻭﺍﻟﺴﺪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻲ “.

ﻭﺑﻤﺒﺎﺭﻛﺔ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﻄﺎﺋﻔﻴﺔ ‏( ﺣﺰﺑﻰ ﺍلأمة ﻭﺍﻟﻮﻃﻨﻰ ﺍلإﺗﺤﺎﺩي ‏) للإﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺑﺪﺍ ﻭﻛﺄﻥ ﺳﺘﺎﺭﺍً ﻗﺪ ﺃُﺳﺪِﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﺨﻼﻑ ﻣﻊ ﻣﺼﺮ كما ﻣﻬِّﺪﺕ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻌﻼﻗﺎﺕ أﻓﻀﻞ ﺩﺷﻨﺘﻬﺎ ﺯﻳﺎﺭﺓ ﻋﺒﻮﺩ ﻟﻠﻘﺎﻫﺮﺓ ﻓﻰ ﻳﻮﻟﻴﻮ ١٩٦٠، ﻭﺍﻟﺘﻰ ﺭﺩّﻫﺎ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻧﺎﺻﺮ ﻓﻰ ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ ﻣﻦ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻌﺎﻡ . ﻭﻟﻜﻦ إﺑﺮﺍﻡ ﺍلإﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺟﺮّ ﻓﻰ ﺃﺫﻳﺎﻟﻪ ﺭﺩﻭﺩ ﻓﻌﻞ ﺩﺍﺧﻠﻴﺔ ﺫﺍﺕ ﻋﻮﺍﻗﺐ ﻭﺧﻴﻤﺔ ﻓﺎﻗﺖ ﺃﻯ ﻣﺰﺍﻳﺎ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﺍﻟﻤﺪﻯ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ .

ابراهيم عبود و جمال عبد الناصر

ﺃﺛﺎﺭﺕ ﺍلإﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﻣﻮﺟﺔ ﻣﻦ ﺍلإﻧﺘﻘﺎﺩﺍﺕ ﻓﻰ ﺍﻟﺒﻼﺩ، ﻭﻓﺠّﺮﺕ ﺃﻭﻝ ﺗﺤﺪٍ ﻣﺪﻧﻰ ﻣﻌﻠﻦ ﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮِﺗﺎﺭﻳﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺍﻧﺪﻟﻌﺖ ﻓﻰ ١٩٦٠ ﻣﻈﺎﻫﺮﺍﺕ ﺩﺍﻭﻳﺔ ﻓﻰ ﻭﺍﺩﻯ ﺣﻠﻔﺎ ﺍﺣﺘﺠﺎﺟﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﺮﺍﺭ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ بإﻋﺎﺩﺓ ﺗﻮﻃﻴﻦ ٥٠ ﺃﻟﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﺑﻴﻴﻦ ﺍﻟﻤﻨﺰﻭﻋﺔ ﺃﺭﺍﺿﻴﻬﻢ ﻓﻰ ﺧﺸﻢ ﺍﻟﻘﺮﺑﺔ بشرق السودان. ﻭﻣﻊ أن ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺗﻤﻜﻦ ﻣﻦ إﺣﺘﻮﺍﺀ ﺗﻠﻚ ﺍلإﻧﺘﻔﺎﺿﺔ إلا ﺃﻥ ﺍﻟﻀﺮﺭ ﺍﻟﺬﻯ ﺣﺎﻕ ﺑﺴﻠﻄﺘﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻬﻞ إﺯﺍﻟﺘﻪ. ﻓﻔﻰ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﺘﺤﺪﻯ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺽ أﺻﺒﺢ ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮ أﻛﺜﺮ ﺗﺸﺪﺩﺍً ﻓﻤﺸﺮﻭﻉ إﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﻮﻃﻴﻦ ﻛﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﺍﻟﺬﻱ إﺩّﺧﺮﺗﻪ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻹﻋﻼﺀ ﺻِﻴﺘِﻬﺎ، ﻭﺑﺴﻂ ﻫﻴﺒﺘﻬﺎ . ﻭﻟﻜﻦ ﺛﻤﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻬﻴﺒﺔ ﺳﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﺇﻓﻘﺎﺭ ﺍﻟﺨﺰﻳﻨﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ، ﻭأﻣﺎ ﺳﻠﻄﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻓﺄُﺳﻄﻮﺭﺓ ﻗﺪ ﺗﻢ ﺍﻟﻄﻌﻦ ﻓﻲ ﺻِﺪﻗِﻴّﺔ ﻣﻨﺎﻋﺘﻬﺎ ﺑﺘﺤﺪﻯ ﺃﻫﺎﻟﻰ ﻭﺍﺩﻯ ﺣﻠﻔﺎ ﻟﻬﺎ ﻭﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻰ ﻣﺎﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ .

ﻭﻗﺪ ﻋﻜﺴﺖ ﺑﺮﻗﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻔﺎﺭﺓ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺑﺎﻟﺨﺮﻃﻮﻡ ﻟﻮﺍﺷﻨﻄﻮﻥ ﺑﺘﺎﺭﻳﺦ ٣ / ١١/ ١٩٦٠ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻟﻠﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻰ :

” ﺻﺎﺭ ﻭﺍﺿﺤﺎً أﻥ ﻣﻌﺎﺭﺿﻲ ﻧﻈﺎﻡ ﻋﺒﻮﺩ ﻳﺴﺘﻐﻠﻮﻥ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺣﻠﻔﺎ ﻻﺳﻘﺎﻁ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ. ﻭﺑﻌﺪ ﻫﺪﻭﺀ ﺩﺍﻡ ﻋﺎﻣﺎً ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ، ﻳﺒﺪﻭ أن ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺳﻴﺸﻬﺪ ﺗﺤﺮﻛﺎﺕ ﻋﻠﻨﻴﺔ ﻫﺎﻣﺔ ﺿﺪ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ . ﻭﻣﻬﻤﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، ﻓﻘﺪ ﺻﺎﺭﺕ ﻧﻘﻄﺔ ﺗﺤﻮﻝ لأﻧﻬﺎ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺭﺋﻴﺴﻴﺔ ﻟﻠﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ﺍﻟﻤﻨﻌﺰﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ . ﺭﺑﻤﺎ ﺳﻴﻠﺠﺄ ﻋﺒﻮﺩ ﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺒﺖ ﻟﻜﻦ ﺗﺒﻘﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮﺍﺕ ﺗﺤﺪﻳﺎً، ﻭﻧﻘﻄﺔ ﺗﺤﻮﻝ.

ﻓﻰ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﺍلإﻗﺘﺼﺎﺩي ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻳﻮﺍﺟﻪ ﻣﺼﺎﻋﺐ ﺷﺘﻰ. ﻓﻘﺪ ﺗﺼﺮﻑ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮ ﺑﻔﻌﺎﻟﻴﺔ ﻹﺻﻼﺡ ﺍﻟﻤﺴﺎﺭ ﺍلإقتصادي ﻋﻨﺪ إﺳﺘﻼﻣﻬﻢ ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ . ﻓﻔﻰ ﻳﻨﺎﻳﺮ ١٩٥٩ ﻗﺎﻣﺖ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ بإﻟﻐﺎﺀ ﺍﻟﺴﻌﺮ ﺍلإﺣﺘﻴﺎﻃﻰ ﻟﻠﻘﻄﻦ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻰ، ﻭ ﻋﺮﺿﺘﻪ ﻟﻠﺒﻴﻊ بأﻯ ﺳﻌﺮ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺑﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻷﺳﻌﺎﺭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﻋﻨﺪﺋﺬٍ ﻓﻘﺪ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻣﻦ ﺑﻴﻊ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﺤﺼﻮﻝ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻭﺍﻟﻤﺘﺒﻘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺳﻢ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ ﺑﺤﻠﻮﻝ أﻏﺴﻄﺲ ١٩٥٩ أﺻﺒﺤﺖ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺳﺪﺍﺩ ﻣﺪﻳﻮﻧﺘﻬﺎ، ﻣﻊ ﻓﺎﺋﺾ ﻗﻠﻴﻞ ﻓﻰ ﺍﻟﺪﺧﻞ ﺍﻟﻘﻮﻣﻰ . ﻭﻟﻜﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺤﺴﻦ ﻓﻰ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍلإﻗﺘﺼﺎﺩي ﻣﻊ ﺗﺪﻓﻖ ﺍﻟﻤﻌﻮﻧﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﺷﺠﻊ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻓﻰ ﻣﺸﺮﻭﻋﺎﺕ إﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ إﺳﺘﻠﺰﻣﺖ ﺻﺮﻓﺎً ﺛﻘﻴﻼً ﻣﻦ ﺭﺻﻴﺪ ﺍﻟﻌﻤﻼﺕ ﺍلأﺟﻨﺒﻴﺔ ﻣﻤﺎ أﺩﻯ ﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻓﻰ ﻣﺪﻳﻮﻧﻴﺔ ﺃﺟﻨﺒﻴﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ . ﻓﻘﺪ ﻧﺘﺞ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻘﺪﻳﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺒﺎﻟﻎ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﺠﺰ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻦ ٧٥ ﻣﻠﻴﻮﻥ ﺟﻨﻴﺔ ﻓﻰ ﺧﻤﺲ ﺳﻨﻮﺍﺕ . ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺑﺪﺃﺕ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﺍﻟﺘﻰ ﺍﻛﺘﺴﺒﻬﺎ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺑﻤﺒﺎﺩﺭﺍﺗﻪ ﺍلإﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺗﺘﻀﺎئل ﺇﺯﺍﺀ ﻓﺸﻠﻪ ﻓﻰ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻭﺍلإﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﻰ ﺑﺎﺗﺖ ﺗﻮﺍﺟﻬﻪ ﺑﻮﺗﻴﺮﺓ ﻣﻄّﺮﺩﺓ . ﻭﻣﻊ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺻﻮﺕ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﺗﻨﺎﻗﺼﺖ ﺣﺴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺑﺪﻭﺍﻓﻊ ﻭﻣﺴﺒﺒﺎﺕ ﺍﻟﺴﺨﻂ ﺍﻟﺸﻌﺒﻰ، ﻭﺗﺰﺍﻳﺪ ﻟﺠﻮﺀ ﺍﻟﻄﻐﻤﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﻌﺼﺎ ﺍﻟﻐﻠﻴﻈﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻰ ﺟﻨﻮﺏ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻟﺘﻜﺘﻤﻞ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺤﻠﻘﺔ ﺍﻟﻤﻔﺮﻏﺔ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ ﻭﺭﺩﻭﺩ ﻓﻌﻞ ﻣﺘﻮﺍﺻﻠﺔ.


ﻭﻗﺪ ﺍﻧﻌﻜﺴﺖ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺎﺳﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ . ﻓﻌﻼﻗﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻣﻊ ﻣﺼﺮ ﺃﺻﺎﺑﻬﺎ ﺍﻟﻔﺘﻮﺭ ﻭﺃﺧﺬﺕ ﻃﺎﺑﻌﺎ ﺧﻼﻓﻴﺎ ﺑﻌﺪ أن ﻛﺜﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﻓﻰ ١٩٦١ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﺤﻮﻝ ﺍلإﺷﺘﺮﺍﻛﻰ ﻓﻰ ﻣﺼﺮ، ﻭاﺯﺩﺍﺩﺕ ﺣﺪﺓ ﻋﺪﺍﺋﻪ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻭﺍﻟﻤﺘﺤﺎﻟﻔﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻐﺮﺏ . ﻭﻣﻤﺎ ﺯﺍﺩ ﺗﻮﺗﺮ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺒﻠﺪﻳﻦ ﻣﻄﺎﻟﺒﺔ ﻧﻈﺎﻡ ﻋﺒﻮﺩ ﻟﻤﺼﺮ ﺑﺘﺴﺪﻳﺪ ﺩﻳﻮﻧﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﻟﻘﺔ ﻟﻠﺴﻮﺩﺍﻥ؛ ﻭﻫﻮ ﻣﻄﻠﺐ ﻋﺰﺗﻪ ﻣﺼﺮ ﻭﻗﺘﻬﺎ ﻟﻠﻨﻔﻮﺫ ﺍﻟﻐﺮﺑﻰ ﺍلإﻣﺒﺮﻳﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ، ﻭﺍﻟﻬﺎﺩﻑ ﻟﺘﻘﻮﻳﺾ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﺜﻮﺭﻳﺔ ﻓﻰ ﻣﺼﺮ . ﻛﻤﺎ إﺳﺘﺎﺀ ﺍﻟﻤﺼﺮﻳﻮﻥ ﻣﻤﺎ ﻇﻨﻮﺍ ﺃﻧﻪ ﻋﺮﻗﻠﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻰ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻣﻊ ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ ﻟﻠﺠﻬﻮﺩ ﺍﻟﻤﺼﺮﻳﺔ، لإﺭﺳﺎﻝ أﺳﻠﺤﺔ ٳﻟﻰ ﺃﻧﺼﺎﺭ ﻟﻮﻣﻤﺒﺎ ﻓﻰ ﺍﻟﻜﻨﻐﻮ . ﻭﺑﺤﻠﻮﻝ ١٩٦٤ ﺍﺭﺗﺪﺕ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﻣﻊ ﻣﺼﺮ إلى ﺣﺎﻟﺔ ﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻟﺜﻘﺔ، ﻭﺍﻟﺸﻜﻮﻙ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﺘﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﻃﺎﺑﻌﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﻭﺻﻮﻝ ﻧﻈﺎﻡ ﻋﺒﻮﺩ ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ .

Related posts

إشكالية إدارة التنوع الثقافي في السودان

الديمقراطية للديمقراطيين

جرائم عبر القرون ج (10)

1 تعليق

ابومدين مصطفي محمد 2021-04-05 - 12:38 مساءً
مقال مقال جيد
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...