المجد لمن ناضل و كافح لأجل و طنه دون أن يكتب حرفاً لنضالاته أو مفتخراً بنياشينه و أوسمته ، لا باحثاً عن إنتصار ذاتي و لا تمجيد شخصي ، المجد لمن حمل سلاح العلم و سلاح الدفاع مسقطاً كلاهما في إسطوانته الحقيقية.
يقول فيه الأستاذ الحسن محمد سعيد :
إن الملازم سيد فرح صالح ظلم في التاريخ السوداني الحديث كونه الشخصية الثانية في ثورة 1924 بعد عبدالفضيل ألماظ – إن لم يكن الشخصية الأولى و كونه ضابطا مثالياً في الجيش السوداني المثقف المحنك العميق الفكر – آنذاك.
ليسوا مؤرخي السودان وحدهم من ظلموا الرجل في حقه النضالي و الثوري فدائرة اللّوم هنا تطال حتى مثقفيّ النوبيين عموماً الذين لم يتطرقوا لتاريخ الملازم سيد فرح صالح بالشكل الذي يليق به.
لا أدعي الإلمام التام عن سيرته العطرة بقدر ما حاولت جاهداً البحث عن مصادر يمكن الوثوق بها فأرشدني حدسي للبحث عنها على مدونات الأستاذ حسن نجيلة إلا أنني لم أفلح فيه كذلك.
جزى الله خير الجزاء الأستاذ الحسن محمد سعيد في روايته ( رجلٌ من دلقو) فقد أورد فيها بعض الجوانب الخفية من حياته
فحياة الرجل كلها مليئة بنضالات و ملاحم لا تحصى ولا تعدُ.
تبدأ قصة بطلنا هذا عند مرور اللورد كتشنر بدلقو (حينما كان الجيش الإنجليزي يعمل بتمديد خط السكة حديد لغزو السودان) فطلب بلقاء صالح فرح عمدة دلقو في ذاك الزمان ثم عرض على العمدة صالح أنه يريد أحد أبنائه ليعلمه و يؤهله في الخرطوم ، اعتذر له العمدة أن أبناءه تعدوا مرحلة التعليم و إقترح له أحد أحفاده فترك اللورد كتشنر توصية خاصة أهلّت هذا الحفيد في دراسة كلية غردون ثم الإلتحاق بالعسكرية.
الجدير بالذكر عند إلتحاقه بالعسكرية و دخول مدرسة ضرب النار إحتج قائد المدرسة إلا أنه نجح في ذلك وتخرج برتبة ملازم ثان.
يقول الملازم سيد فرح:
عندما كنت ضابطا شاباً في شندي حين سابقت زميلاً بريطانياً بالخيل و فزت عليه ، اغتاظ “الخواجة” و إنفجر في وجهه متوعداً بأنهم سيركبون السودانيين كما الهنود.
يبدو أن هذه الإهانة أشعلت في قلبه لهب الثورة و ينضم بعدها لجمعية اللواء الأبيض مع البطل علي عبد اللطيف و البطل عبيد حاج الأمين و عبد الفضيل ألماظ.
بداية الثورة :
إبان ثورة سعد زغلول و بعد أعقاب تداعيات مقتل حاكم السودان السير لي إستاك بمصر ، طالب اللورد اللمبي بإعتذار رسمي مع دفع مبلغ مالي ضخم كتعويض عن مقتل السيرلي إستاك وبعدها صدر قرار بإجلاء القوات المصرية من السودان ، و في الوقت نفسه كان الشارع المصري و السوداني يغليان غلي المرجل بسبب الإضطرابات السياسية.
أسرعت الحكومة البريطانية و أصدرت قراراً بمحاصرة القوات المصرية في السودان لحين إجلائها فتمردت الكتيبة الثالثة مشاه المصرية و رفضت أمر الإجلاء إلا بأوامر من قائد لقوات المصرية.
كان الملازم ثان سيد فرح مسؤولاً عن الحراس بالسجن الحربي و لأنّ الملازم سيد فرح أتى من خلفية سياسية تنادي بوحدة وادي النيل فإن هذا القرار بالطبع لن يعجبه ، فقد إتفق مبكراً مع عبد الفضيل ألماظ على خطة ، إذ كان عليه حراسة الخرظوم في ذاك اليوم بعد جلاء الجيش المصري و عند الساعة الثالثة يبدأ في تنفيذ خطته بإبعاد جميع حراس السجن.
كانت المعركة تحديداً بالقرب من مستشفى العيون الحالي، يشتد الضرب من الجانبين و تظل أصوات المدافع سيدة الموقف، جموع من الناس تهرب من الخرطوم في كل الإتجاهات لم يبق بالساحة سوى أبطال معركة النهر الثانية و الجيش الغازي.
إستمر القتال من مساء يوم الخميس 27/07/1924م حتى نهار الجمعة 28/07/1924م.