أسهم قائد الجيش المصري في حماية الملازم سيد فرح و قام بتهريبه لمصر على أساس أنه أحد أفراد الجيش المصري ، وقد رفض هذا الضابط المصري تفتيش القطار بعطبرة حيث كان الإنجليز يبحثون عنه في أي مكان، و خصصت المخابرات البريطانية جائزة مقدارها خمسة آلاف جنيه ذهبي لمن يقبض أو يدل عليه و هذه دلالة واضحة على أن الرجل لم يكن سهلاً.
مكث الرجل في الصعيد المصري فترة متخفياً عن أعين الإستخبارات العسكرية الإنجليزية يعلم الناس و يمارس مهنة التطبيب بالقرآن ثم برقت في ذهنه فكرة التوجه إلى ليبيا و الإنضمام إلى البطل الثائر الليبي عمر المختار حيث ساعده في الهروب الرئيس المصري الأسبق محمد نجيب.
إذ يقول الرئيس محمد نجيب في كتابه (كنت رئيساً لمصر) صفحة 41 :
ولم تكن هذه الزيارة هي نهاية المطاف في علاقتي بهؤلاء المناضلين، بل إنّ نقلي من الحرس ضاعف من حريّتي في الإتصال بهم وكان من بينهم الأميرلاي السيّد فرح ـ ابن عُمدة دلقو الذي كان يُعلّمنا ونحن صغار أصول القراءة و الكتابة أيام كان أبي مأمورًا لحلفا، و كان السيّد فرح صديق طفولتي ـ و كان من أبطال أحـداث 1924م الذين حُكم عليهم بالإعدام ، فهرب لذلك من السودان إلى مصر وعاش فيها مُتخفّيًا حتى ساعدته على الهرب إلى ليبيا و ظلّ بها حتى عاد إلى مصر بعد و أصبح مسؤولاً عن إدارة منطقة الساحل الغربي في مرسى مطروح.
مكث في ليبيا في الفترة ما بين 1925 – 1931 .. متضامنًا بكامل وجدانه مع الثورة الليبية و شارك في معركة الجبل الأخضر ضد الطليان و قام بتدريب ثوار ليبيا عسكرياً على أفضل ما يكون ثم صار من المقربين جداً للثائر عمر المختار لدرجة أنه إتخذه سكرتيراً خاصاً له و قائدً مشرفاً على عملياته العسكرية ، ثم عاد هارباً مع بعض الجنود السنوسيين إلى مصر مرة أخرى بعد هزيمة القائد عمر المختار و إعدامه في العام 1931م.
بقي في الصعيد المصري حتي العام 1936م منتحلاً شخصية محمود المصري ناشئاً مسجداً صغيراً، معلماً لأهلها الكتابة و القراءة موصياً بالكفاح و النضال ضد المستعمر وكل هذا كان علىي حسابه الشخصي ، و الذي اكتسبه بعد بيع بعيره الذي هرب بها من ليبيا مع بعض الريالات المجيدية التي كانت بحوزته.
في العام 1936م ظهر بإسمه الحقيقي بعد إبرام معاهدة بين مصر وبريطانيا و كان أحد أهم بنودها العفو عن كل الضباط المحكومين بالإعدام و بمقتضاها أعيد إلى الجيش المصري برتبة زملائه ، فعقد الدهشة حاجب زوجته كيف لرجل بائس فقير أن يكون بهذا المستوى الرفيع و كيف أنها عاشت كل تلك الفترة دون أن يخبرها، فإعتذر لها عن خشيته عن إفشاء السر من أم عياله إلى أمها ثم تفشي الأم إلى إبنتها الكبرى ثم منها إلى زوجها و هكذا يشاع خبره في الريف و الحضر.
بعد أن تم إستيعابه مجدداً و قد كان أن قابله رئيس الوزراء مصطفى النحاس الذي احتفى به و كرّمه ، فيما بعد وُكلت إليه مهام محافظ الغربية في مرسى مطروح بالقرب من مدينة الاسكندرية حتى قامت ثورة 1952م بقيادة عبد الناصر حيث تم سجنه و ذلك لأنه قام بمساعدة هروب الجنرال حسين باشا سري أحد رجالات الملك فاروق والذي جاءه متخفياً طالباً منه أن يعينه في الهروب ، دافع السيد فرح عن نفسه أمام عبد الناصر و أنه لم يخن الثورة ، و بعدها تدخل السيد عبد الرحمن المهدي و ساهم في إخراجه من السجن و أحيل بعدها للمعاش.
ربما تدخًل السيد عبد الرحمن لم يكن كافياً في إقناعه فعبد الناصر نفسه مجّد دور البطل في معارك 48 ضد العدو الصهيوني و لذا ربما لم يكن ينوي به شراً من الأساس نظير ما قدمه الملازم لأجل المحروسة مصر ،فأن يحمل سلاحه يعني أنه حمل روحه على يده لأجل مصر ، و كذلك تم تكريمه من قِبل السيد الرئيس جعفر النميري رحمه الله كما مجّده الرئيس معمر القذافي. مات و قبر في الخرطوم في العام 1972م.
تداعيات تمرد البطل الملازم سيد فرح :
تم اعتقال العمدة فرح صالح و إخوانه و زجهم بالسجون و تقليص صلاحياته و سلطاته و فصل بعض الشياخات و ضمها لشياخات أخرى ، و تعيين عباس ففيري كعمدة عِوضاً عنه ( هذه رواية شفهية لأن حسب معلوماتي المتواضعة عباس فقيري كان عمدة أملي في عمودية أردوان المحس) .
كما تم إغلاق مدرسة الأساس في دلقو حتى معاهدة النحاس باشا و أعيد فتحها عام 1937م.
و يكفيه فخراً أنه قدم صرحاً في عالم الطب لا يزال إلى يومنا هذا تقدم للوطن ألا وهي الدكتورة فاطمة السيد فرح و وحدة الدكتورة فاطمة السيد فرح تعتبر الأشهر في مستشفى الخرطوم.
الجدير بالذكر أن أولي الشهادة السودانية للعام 2021م ريان هشام سرّي سيد فرح صالح هي حفيدة البطل الملازم (الأميرلاي) سيد باشا فرح.