الدولة المهدية..تاريخ عريق وماضي مبهم(4)

تحدثنا في المقال السابق عن أبرز المقومات والأسباب التي أدت لرواج فكرة المهدية في أوساط المجتمع السوداني قبل وبعد إدعاء الإمام لمهديته، ونحن بصدد الإجابة على السؤال المطروح(هل كان محمد أحمد بن عبد الله هو المهدي المنتظر فعلاً؟) و سنرد عليه من وجهين، أولاُ وفقاً للأدلة الشرعية التي يستدل بها المؤمنون بفكرة ظهور مهدي آخر الزمان، والآخر وفقاً للإدعاءات التي ساقها المدافعون عن دعواه.

أولاً: الأدلة الشرعية الدالة على خروج المهدي

1.المهدي هو الرجل الذي يبايع له بين الركن والمقام فعن قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” يبايع لرجل بين الركن والمقام، ولن يستحل البيت إلا أهله، فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب، ثم تجئ الحبشة فيخربونه خراباً لا يعمر بعده أبداً، هم الذين يستخرجون كنزه”. وبالطبع لم تتم البيعة لمحمد أحمد بين الركن والمقام، بل لم يقم بزيارة أرض الحجاز قط.
2. يخسف بالجيش الذي يحاربه المهدي،مما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”العجب أن أناساً من أمتي يؤمون هذا البيت لرجل من قريش قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، يهلكون مهلكاً واحداً، ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم الله عز وجل على نياتهم”ولم يرد في تاريخ المهدية في السودان شئٌ من هذا القبيل ولا حتى ما يصلح أن يؤول ليورد في هذا السياق.
3.مدة ملك المهدي سبع أو ثماني أو تسع سنوات كما ورد في حديث أبي سعيد الخدري: ” يخرج في آخر أمتي المهدي، يعيش سبعاً أو ثمانياً-يعني حججاً-” وصححه الذهبي، والمعلوم أن الإمام محمد أحمد توفي بعد فتح الخرطوم قبل أن يكمل عامه الأول.
4.خروج المهدي في آخر الزمان لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” يخرج في آخر أمتي المهدي” وقد ولى زمان مهدي السودان منذ أكثر من قرن ولم تتحقق حتى أي من علامات آخر الزمان بعد. ولعل حتمية خروج المهدي في آخر الزمان والتي لم تتحقق في حالة محمد أحمد ترجح الكفة بشأن صحة دعواه من عدمها.
5.يمتاز عهده بالخير والرخاء ونزول البركات فعن أبي سعيد الخدري في نفس الحديث الآنف ذكره : ” يخرج في آخر أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطى المال صحاحاً، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة” ، وبالنظر للحالة التي كانت عليها الدولة المهدية من جدب وقحط في عهد المهدي وخليفته فهذه العلامة لم تتحقق فضلاً عن ملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً وظلماً.
6.في عهد المهدي ينزل عيسى عليه السلام، ويصلي وراءه، ففي الحديث الذي رواه مسلم :” لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة ” وذلك يعني بالضرورة خروج الدجال في عهده، لأن عيسى ينزل فيقتل الدجال كما صحت بذلك الأحاديث، ولم ينزل عيسى عليه السلام ولا خرج الدجال في ذلك العهد.ناهيك عن صلاة المسيح خلف محمد أحمد في دمشق.
ويجب أن نذكر من باب الأمانة أن بعض الصفات قد إنطبقت عليه، كموافقة إسمه لإسم النبي، ومطابقة وصف الأحاديث لهيئته (أجلى الجبهة،أقنى الأنف).
ثانياً: الرد على إدعاءات المدافعين عن صدق الدعوة المهدية في السودان
ذكرت في مقال سابق أن تاريخ الدولة المهدية قد أحيط بهالة من السرية وبعض التقديس ولم يتم تناوله من منظور نقدي ما خلا بعض المحاولات الخجولة جداً، ووجدت تلك المحاولات بطبيعة الحال رد فعل مضاد يدافع عن تاريخ المهدية ودعوى المهدي، إما دفاعاً عن إرث أسري أو خوفاً من خسارة بعض الزخم السياسي ولعل أبرز هؤلاء هو الإمام الصادق المهدي زعيم طائفة الأنصار وحزب الأمة، ويرى الصادق المهدي بأن جده محمد أحمد لم يدعي المهدية بمعناها السني السلفي(إنظر المقالات السابقة) وإنما بمعناها الوظيفي. يقول الصادق: “المرافعة عن المهدية لا عن طريق تصحيح ال23 حديث التي وردت في صحاح أبي داؤود،وابن ماجة، والترمذي ولكن عن طريق اعتبار المهدية هي وظيفة إحياء الدين” والمتمعن في خطابات ومنشورات المهدي يجد أنه قد دحض هذا الإدعاء بنفسه، فقد إدعى أنه إلتقى بالنبي وأنه صاحب الخلافة الكبرى وأن من لم يؤمن بمهديته فهو كافر.وحتى الحديث الذي يستند عليه الصادق المهدي وغيره “أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها… الخ” فقد فنده المهدي بنفسه عند ذكره لعلامات معينة انطبقت عليه لا تكون إلا للمهدي، فهل ذلك يعني وجود أشخاص بتلك العلامات كل مائة عام؟؟!
وأختم هذا المقال بجزء من منشور للإمام محمد أحمد أعتبره أخطر ما خطت يراعه على الإطلاق ويرد فيه على المدافعين عن صدق دعواه، يقول فيه:
” أما العالم التابع لي في مهديتي فهو كالنبي المرسل، والعامي التابع لي كرتبة عبد القادر الجيلاني،والعالم المخالف لي كفرعون، والعامي المخالف لي كهامان. أن الله قواني بالملائكة الكرام، وعزرائيل حامل لواء نصرتي وأن الخضر وسيد الوجود والأولياء من عهد آدم إلى هنا معي، ومؤمن الجن كذلك معي. إن الشخص الذي أخذ بيعتي وعاد إلى فعله الخبيث فهو كالمرتد، ولا يجهل في مهديتي ولا يجهل في مهديتي إلا شقي محروم الخير والإحسان”.
والناظر بعين الحياد لكل ما ذكر يجد أن محمد أحمد بن عبد الله بن فحل لم يكن هو المهدي المنتظر وإنما هو مدعي استغل حالة نقص الوعي الديني حينها وانتشار الخرافات والبدع وحالة الترقب لظهور المهدي في المجتمع السوداني وخاصة بغرب السودان وقد نجح فعلاً بإيهام السودانيين بذلك وإلى يومنا هذا لا تزال دعواه تجد رواجاً عند السواد الأعظم منهم.

Related posts

إشكالية إدارة التنوع الثقافي في السودان

الديمقراطية للديمقراطيين

جرائم عبر القرون ج (10)

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...