في خضم الحديث عن الدولة المهدية وفكرة المهدي المنتظر في الإسلام يبرز سؤال مهم لطالما غض المؤرخون والباحثون في التاريخ السوداني الطرف عنه وحتى من أجاب عنه لم يلق آذاناً صاغية من غالبية المجتمع السوداني، ويعتبر حجر الأساس والخطوة الأولى في التنقيب داخل سراديب ومتاهات الأسرار في تاريخ تلك الحقبة، وهنا أتحدث عن السؤال (هل كان محمد أحمد بن عبد الله هو المهدي المنتظر فعلاً؟؟!)
وقبل الخوض في تفاصيل الإجابة، لابد من الإشارة إلى أن أغلب السودانيين لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن إجابة لهذا السؤال على الرغم من أن تلك الفترة المؤثرة جداً في تاريخ السودان أفردت لها مساحات واسعة في المناهج التعليمية السودانية بمراحلها المختلفة، ولم تتطرق تلك المناهج لمصداقية الدعوة المهدية، إلا أن بعض الأقلام بدأت في الكتابة بخصوص هذا الشأن في الآونة الأخيرة، بجانب محاولات خجولة لبعض المشايخ ورجال الدين لم ترقى للمستوى النقدي المطلوب ولم تحدث أثراً فعلياً على ما هو سائد في المجتمع السوداني حول هذا الموضوع.
كانت فكرة خروج المهدي المنتظر رائجة جداَ في ذلك الوقت وخاصةً في الأجزاء الغربية من السودان وفي ظل وجود الإستعمار المصري التركي وممارساته المنافية بشكل كبير للعادات والتقاليد السودانية في ذلك الحين والتي كان يسود الإعتقاد غالباً بأنها جزء من الدين وأصبحت مسلمات في ظل عدم وجود علماء بارزيين وحركة دينية تجديدية في الفترة ما بعد سقوط دولة الفونج ما خلا بعض العلماء خريجي الأزهر، وهنا أقتبس عن د.مكي شبيكة:
تطلع أهل السودان للخلاص وحياة أفضل، لذلك كلما رأوا رجلاً صالحاً يفضلهم عقلاً ودرايةً وله الغيرة على الدين وأهله ظنوه المهدي.
ويتضح ذلك جلياً في الفكر الصوفي (المسيطر على الساحة الدينية السودانية حينها)، فقد ورد في كتب ومذكرات الطريقة السمانية -التي سلكها محمد أحمد نفسه- قول الشيخ السماني أنه “وزير المهدي” وأنه يمهد لزمان المهدي، وتردد على لسان محمد شريف نور الدائم-حفيد الشيخ أحمد الطيب البشير وأستاذ المهدي- أقوال منها: (وقد سمعتك غير مرة تقول أمدادنا هذه من أنفاس المهدي.فلما كنت عالماً بذلك فلا تقف عند الرشاد)، أما عند الختمية فيقول السيد محمد عثمان الميرغني: ” أن مقام الختم يأتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم والمهدي”. وقد إنقسمت المدرسة الصوفية بين رأيين حول المهدي، منهم من يرى أنه غوث الزمان والرأي الآخر هو قول إبن عربي بأن المهدي هو خاتم الأقطاب والساعد الأيمن للنور المحمدي، ويظهر تأثير الفكر الصوفي جلياً على الإمام محمد أحمد في منشوره المسمى ب” منشور الدعوة” وهو أحد أهم المنشورات في تاريخ الدولة المهدية ويقول فيه :
أخبرني سيد الوجود(ص) بأني المهدي المنتظر وخلفني عليه الصلاة والسلام بالجلوس على كرسيه مراراً بحضرة الخلفاء الأربعة والأقطاب والخضر عليه السلام وأيدني الله تعالى بالملائكة المقربين، والأولياء الأحياء والميتين من لدن آدم إلى زماننا هذا…الخ
ومن الملاحظ عدم وجود العقيدة المهدية بصورتها الشيعية في السودان.
ونسبة لكل ما ذكر لم يجد محمد أحمد أي مقاومة دينية تذكر أو تكذيباً لدعواه في ذلك الحين، بل وجد كامل التأييد من كافة أطياف المجتمع المتدين حينها، وذهب بعض المؤرخين إلى أن فكرة المهدية زرعها الخليفة عبد الله التعايشي لدى الإمام محمد أحمد عند إلتقاءه به لما إلتمسه فيه من الصلاح والزهد والورع ولم تكن موجودة لديه قبل ذلك.والمتمعن في خطابات ومنشورات محمد أحمد المهدي يرى قدر إيمانه بفكرته إلى حد تكفير كل من لا يؤمن به، ومن أشهر أقواله في الرد على حكومة الإستعمار التركي عند بزوغ شمس دعوته: (أنا المهدي المنتظر فمن شاء آمن ومن شاء كفر) وقوله في أحد منشوراته لأتباعه:
ولما وصل لي يا أحبابي من الله ورسوله أمر الخلافة الكبرى، أمرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى ماسة جبل قدير…الخ.
وسنجيب في المقال القادم بإذن الله عن السؤال الوارد في بداية المقال “هل كان محمد أحمد بن عبد الله هو المهدي المنتظر فعلاً؟؟! ”