عمد تلفزيون السودان هذا العام في برمجته الرمضانية للبرامج التلفزيونية أن يثرينا بروائع مكتبته الفنية العطرة بأميز المسلسلات السودانية الخالدة في ذكرى المشاهد السوداني ، فها هو يعيد لنا ذكريات ملحمة درامية راسخة في وجدان المشاهد السوداني ، عمل درامي رسخ في قلوبنا وأذهاننا بحكايته العاطفية العفيفة الرقيقة المثيرة الصادمة في نفس الوقت ، عمل ما زال الى الآن كلما يعرض تتسابق الأعين لمشاهدته من جديد رغم قدم عرضه قبل ما يقارب ال20 عاما ، إننا نتحدث عن مسلسل “الدهباية” الذي يعرض حاليا في تلفزيون السودان القومي في تمام الساعة الواحدة صباحا بتوقيتنا المحلي.
كنا نهرول للتجمع أمام التلفاز لمتابعة المسلسل في الصغر، ، وأحياناً “نكلفت” صلاة المغرب، ونتجاوز الباقيات الصالحات من أجل حضور الحلقة من قولة “تيت”، حتى يتسنى لنا متابعة مجنون الدهباية “عباس” الشخص العاشق الغاضب الذي يرفض زواج قريبته من غريب أتى الى منطقتهم الريفية الذي يدعى بالأفندي خالد.
تبادل تصوير العمل الدرامي ما بين الريف والحضر ، فلقد تمتعت أعيننا بمناظر سوق الخضر والفواكه في نيالا، وسوق العيش، والسفر من رهيد البردي ونيالا إلى أم دافوق وعد الفرسان وبُرام وتُلس، والمعلوم أن منطقة جنوب غرب دارفور من أغنى بقاع البلاد من حيث تعداد الثروة الحيوانية، وتوجد بها أدغال كثيفة وتنوع بايلوجي ثر.
رغم المقدرات الفنية الرفيعة لكافة نجوم هذا المسلسل(هالة اغا، طارق على، صالح عبد القادر، عوض صديق، محمد شريف على، بلقيس عوض، ألا أن ما شدني وأبهرني تمازج اللكنات المحلية بين أهل الريف والحضر واتقان فريق العمل كاملا لهذه الأدوات البسيطة التي تجعل من العمل أكثر عمقا وتقربا إلى وجدان المشاهد الذي يحس بانتمائه إلى ربوع هذه البلاد الغنية باللهجات واللكنات المختلفة التي ترمز إلى التسامح والمحبة الأخوة الدائمة بين مختلف قاطني ولايات السودان ، فقد عمل المخرج الفذ شيخ المخرجين السودانيين الراحل “فاروق سليمان” على نقل كل هذه المتطلبات بصورة سلسة وسهلة وتصل مباشرة الى المشاهد العام بدون تعقيد.
بلا شك أن الموسيقى التصويرية لمسلسل الدهباية التلفزيوني آسرة للحد البعيد، وأصبحت ايقونة نغم كانت وما زالت تتغنى بها الأجيال المختلفة الشاهدة والحديثة، لما بها من انتماء تراثي خالص لغرب السودان. فقد كانت مقدمة التتر والنهاية ب”شنقلي طوباية ، تلقي لي دهباية” لحنا عذبا يروي الوجدان الريفي والحضري بكل مكوناته بسلاسة نغمية إبداعية تحرك له الوجدان.
ما زلت أتمنى أن يعود لنا ذلك الزمن الجميل الذي تميزنا به قبل عشرات الأعوام ، من ناحية الإنتاج الاعلامي الضخم الذي كنا نتميز به ونبدع فيه بكل إتقان واحترافية ، نأمل بأن نبدأ صفحة جديدة بأفكار مختلفة وإبداعية وهادفة نحو مستقبل واعد ومشرق في كل المجال الإعلامي ككل.