محمد أحمد عطية
الخطاب السياسي .. (بين الماضي والحاضر)..
يشهد الخطاب السياسي في السودان أزمة حادة وتراجع كبير في اختيار المفردات المناسبة للتعبير عن آراء السياسيين، فبعد عقود من الإستقلال كانت فيها خطابات ومقولات السياسيين تُعبر عن وعي السودانيين، قد تراجع شكل الخطاب السياسي بصورة كبيرة تدعو للاشمئزاز.
ولاتزال ذاكرة الشعب السوداني تختزل روائع القول والحكاوي والعبارات والخطب الرنانة للمحجوب الذي مزج ما بين السياسة، القانون، الفكر والأدب، وأثرى الساحة السياسية المحلية والعالمية مع كثيرين بحُسن الحديث والمعنى، فصاحب الخطاب الموثق كأفضل خطاب يقدم في تاريخ الأمم المتحدة في العام (1967)م والذي وقف له الجميع مصفقاً يومها، هو واحد من كثيرين مارسوا السياسة بتهذيب و شكلوا وجدان السودانيين، ولم يصدر عنهم يوما أن خاطبوا بعضهم بساقط القول أو خدشوا آذان السودانيين بكلمات قبيحة.
مرت السنوات ويفترض أن يزداد هذا الخطاب ألقا وجمالا نتاج طبيعي للتطور الفكري والثقافي والأدبي للأمم، ولكن تشاء الأقدار أن تبدأ حقبة مظلمة من الإدعاء والتسلق بأسم الدين، إختار فيها النظام البائد استخدام خطب وعبارات تعيد تشكيل الوعي السوداني وفق رؤية محددة تخدم أغراض محددة، لتبدأ الخطب الجهادية و الويل والوعيد لخصومنا من الفرنجة وبني إسرائيل، وكانت النتيجة إنفصال الجنوب وموت مئات الآلاف من السودانيين.
بعد هذا الفشل يتحول الوعيد إلى إمتنان على أهل السودان لنسمع خطابات ومفردات على شاكلة علمناكم (اكل الهوت دوغ ولبس البنطلون والقميص والحمام بالصابون وغيرها).
وفي آخر أيام حكمهم إختاروا تغيير الخطاب والعودة للترهيب، عسى أن يكون مانعا من غضب الشعب.
فبعد لحس الكوع وقطع الرقاب وختاما (رب رب رب وخطاب المخلوع الأخير ديل خونه، مرتزقة، وغيرها)، كل هذه الخطب والكلمات مازادت هذا الشعب إلا قوة ورغبة في تفجير الثورة وقد كان.
الناظر لحال اليوم بعد عام من الثورة العظيمة، الممهورة بدماء الطاهرين والأتقياء من أبناء وبنات شعبنا الأبي سيجد أن السياسيين لم يتعلموا الدرس بل زادت نبرة الخطاب الحاد، ليبدأ ببوخة المرقة لدى الإمام وينتهي بالعجاج لعضو الحرية والتغيير.
الخطاب السياسي اليوم يعاني ازمه حقيقيه ويزيد من الشحن والكراهية ورفض الآخر.
ومدنيااااااو الحرية والتغيير في وجه ما بنرجع سكناتنا وناشطون تعدو كل الخطوط الحمراء (زوجة الوزير جات بالطياره والراجل يطلع لي)، وغيرها من العبارات ماهي إلا تعبير حقيقي وواضح عن شكل الأزمة السياسية وضعف ممارسيها، مما استدعاهم لإستخدام مفردات ركيكة تشبه قدراتهم.
نهاية القول..
إحترام الآخر أولى الخطوات نحو بناء الدولة، وبناء المجتمع يكون بتعزيز القيم والبعد عن الخطاب المحرض للكراهية.
أخشى أن يأتي يوم نقول فيه لأحد السياسيين (يازول إتلفظ)