كوشة الخرطوم

يبدو أن الخرطوم التي تغنى بها ولها الشعراء ولنيلها وجمالها تحولت بأمر كارهي النظافة إلى مستنقع للنفايات ، ومستودع ومنصات ومساكن للذباب والبعوض وكل ماهو قميء ممن يمشي على أربع وعلى اثنتين وثمانية.

البعوض والذباب وجدوا ضالتهم في مكبات النفايات التي يدفع مقابل خدماتها ومقابل مرضها المواطن المغلوب على أمره.

ما زال المواطن يشتكي ويتضجر من تكالب النفايات عليه حتى أنه اصبح لا يفرق بين الشوارع ومكبات النفايات التي لا تزورها سيارات نقل النفايات إلا بالصدفة ، إما أن تكون مجاورة لمنزل (رجل مهم) أو تؤدي طرق وجودها إلى القصر الجمهوري.

جاء الخريف وزاد الطين بلة بتراكم مياه الأمطار و إنجراف النفايات إلى الميادين والطرقات ، وأرصفة الشوارع المتهالكة فتوالد البعوض ذكراناً وإناثاً لتتفشى الملاريا والكوليرا وهلم جرا من أمراض فارقها وودعها العالم ونسيها وأصبحت من الماضي المذكور في كتب (تاريخ الأمراض المنقرضة).

نظافة البلدان مسؤولية مشتركة بين المواطن والحكومة التي يشكل فيها الاهتمام بالنظافة آخر أولوياتها ؛ ولا نلقي باللوم عليها وحدها فالمواطن أيضاً مسؤول عن الاهتمام بالتخلص من النفايات بداية من فرزها داخل بيته والإلقاء بها في أماكنها وإخراجها في التوقيت الذي تحدده محليات الولاية من باب (خلينا ورا الكضاب لحد خشم الباب) بدلاً من أن نمارس (ركوب الرأس) و نلقي النفايات على قارعة الطريق وفي أرصفة الشوارع لنقول للحكومة (عايني عرباتكم مابتجي الا في الشوارع الرئيسية)!.

افتقار الخرطوم للبنية التحتية لا ننكر انه ساهم كثيراً في ازدياد الأزمة وتفاقمها ولكن ينبغي كذلك أن يقوم كل بدوره بدلاً من أن تُلقى كل جهة اللوم على الأخرى.

لو أرادت وزارة البنى التحتية والبيئة المنوط بها أمر النظافة بطبيعة الحال ، لو أرادت أن تحل أزمة النظافة وكل مشاكل البنى التحتية عليها أن تبدأ في وضع خطط وتدابير دائمة وحلول جذرية بدلاً من أن تعمل بنظام التنقيط والتعامل مع الأزمات بالقطاعي.

السودانيون في المهجر أسسوا ولا يزالون هم خط البناء الأول في بلديات وأمانات تخطيط المدن في الكثير من الدول القريبة والبعيدة ، على الأقل لو استفدنا من خبراتهم فقط في وضع الخطط للخروج من نفق هذا الوضع المؤسف للخرطوم كعاصمة غير مشرفة حالياً لوجدنا آلاف الأيادي من ذوي الخبرة تمتد سنداً وعوناً مادياً وعقلياً ، وهم على تمام الجاهزية لمد يد العون لوطنهم الذي يرجون أن يكون مشرفاً لهم.

نظام البلديات المعمول به في معظم دول الخليج أثبت نجاحه وكفاءته وهذا ما يجعل المظهر العام لمدن تلك الدول في مستوى فوق الممتاز يفوق فيه أنظمة دول أوروبية حتى.

تقسيم الخرطوم إلى محليات وتأسيس نظام (بلديات) لكل محلية ، ولكل منطقة وتمكين هذه البلديات من تنفيذ خطط وإعطائها صلاحيات لتنفيذ برامجها وفقا لمنهج مدروس ومبرمج يقوم على تدوير الأموال والاشتراكات لكل ذوي الانشطة التجارية وصرفها على المنطقة المعنية سيجعل الأموال تتدفق على البلديات مما يمكنها من تصريف وإدارة أمورها بشكل نموذجي ، يخلق نوعاً من التنافس بين هذه المحليات والمناطق ، ولن تحتاج البلديات الى أموال وجبايات حتى لو طبقت أنظمة الأنشطة التجارية والصرف منها على المساكن والبنى التحتية.

كل الأنشطة التجارية لكل محلية تتبع لبلدية المحلية التابعة لها جغرافياً مع تأسيس نظام إلكتروني موحد يتبع لوزارة البنى التحتية ويصب منها في وزارة المالية منعاً لتفشي الفساد المالي والاداري.

تطبيق هذه الخطط ليس بالأمر الصعب ولكن يحتاج إلى عزيمة و إرادة و احساس بالمسؤولية وليس تنصل منها.

في غضون سنوات قليلة سنجد بنية تحتية قوية وحديثة ومنها سيمكن تطبيق هذا النجاح في باقي الولايات ، وهكذا سيعود للخرطوم بهاءها وجمالها ونغني للبيوت السمر في بلدي.

بالعربي الفصيح

نسأل الله أن يحقن دماء أهلنا في بورتسودان ويمنع عنهم الفتن وينبغي أن تتدخل القوات المسلحة والدعم السريع وكل من له قلب على هذا البلد لإيقاف فتيل هذه الازمة و إلا سيحدث الأكثر من ذلك وما لا يحمد عقباه.

يا بلادي قسمي النيل إذا كنت تريدين انقساما

قسمي الشمس فما زالت تغني للبيوت السمر من نمولي لحلفا

وتسمي أهلها السمر كراما

قسمي الليل المغني حين يشدو العطبراوي أنا سوداني

فنفنى فيك وجداَ وهياما

قسمي قلبي إذا كنت تريدين انقساما

قسمي أحلامنا عدلاَ وقسطاسا مبينا

Related posts

حروف على سطور الأحداث 

هِـــنا قونــــة .. وهٍنـــــــــا نٌقـــطة ..

النظام الصحي في السودان – إلى أين؟؟

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...