الحارث بن عُبَاد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة
من حُكماء العرب ومن فُرسانها المشهورين، لما اتصف به من حكمة وحنكة ودهاء، وفروسية طاغية.
كان سابع سبعة فرسان ذاع صيتهم وبلغ ما بلغ عند العرب، و كانت العرب تلجأ له للمشورة والرأي السديد، و سفيراً لحلحلة وتقريب وجهاة النظر في خلافات القبائل، لما له من مكانة وإحترام كبيرين.
عشنا جزءً يسيراً لحياته عبر مسلسل الزير سالم ، المسلسل الغني عن التعريف، والذي أعتبره واحد من أجمل الأعمال العربية على الإطلاق، خصوصاً الطاقم الفني من الممثلين، أمثال العظيم سلوم حداد والذي لعب دور البطولة في المسلسل، أداء متكامل وغاية في العظمة.
الذي يلي الزير سالم في عظمة الأداء والتقمص هو الممثل القدير خالد تاجا والذي لعب دور الحارث بن عباد بكمال منقطع النظير، بحيث لا يمكن تخيل أي ممثل آخر في هذا الدور، وحتى أن خالد تاجا قال في إحدى لقاءاته:
عندما انتهيت من قراءة السيناريو أتصلت بالكاتب ممدوح عدوان رحمه الله وقلت له لقد كتبت سيناريو لا يكتبه إلا شكسبير، لقد أحببت الشخصية جداً.
وحين تفاوضت مع المنتج على السعر أخبرته أنني مستعد لتمثيل الدور من دون مقابل، فلقد كنت أخشى أن يلعب الدور ممثل آخر فيفسده.
وفعلاً خالد تاجا مثل الشخصية بكمال تام واعطاها حقها غير ناقص.
مولده ووفاته:
ولد خالد تاجا في عام ١٩٣٩م وتوفي في عام ٢٠١٢م، وترك إرث عظيم سيظل خالد مدى الدهر لعظمة أداءه.
الحارث بن عباد:
كل ما ذكر تاريخ العرب القديم يذكر معه الحارث، فهو من منارات العرب السامقة، كان له الأثر الكبير والعظيم في تلك الحقبة، حقبة حرب البسوس أو حرب الأربعين سنة، والتي كان له اليد العظمى في نهايتها، رغم أنه فعل كل ما يمكن من أجل الإبتعاد عن تلك الحرب، وعن ذلك قال مقولته المشهورة، والتي ظلت خالدة لليوم، عندما أُرسل سفيراً من قبل كبير البكريين مرة بن شيبان البكري، قاصداً ديار التغلبيين، وعند عودته وإدراك مرة بفشل السِفارة، طلب منه أن يشارك هو وقبيلته مع البكريين ضد التغلبيين، فرفض بدعوى أنها حرب لا كاسب فيها، وحرب دارت لأجل سبب تافه، من أجل ناقة، وقال المقولة المشهورة: هذه حرب لا ناقة لي فيها ولا جمل.
وأعتزل الحرب سنيناً عددا، طيلة تلك الفترة لم يشارك فيها، وبذل كل الجهود الممكنة لوقفها وما أستطع إلى ذلك سبيلا.
وآخر ما بذله كان أبنه، قرة عينه وعكازه الذي يتكئ عليه، بجير بن الحارث بن عباد، فارس إبن فارس.
في آخر أيام الحرب أرسل أبنه نائباً عنه للزير سالم، طالباً منه إيقاف الحرب، فقد قتل ما قتل من البكريين، حتى أبناء أخته وحتى صديقه الصدوق.
كتب له رسالة فحواها أما الصفح وإيقاف الحرب بما قتلت من البكريين فقد أدركت ثأرك، أو بقتل إبنه بجير بكليب على أن ينتهي الثأر بذلك.
فما كان من الزير إلا وقتله وقال: بُؤ بشسع نعل كليب.
الثأر أعمى الزير عن كل شيء، فعنده كليب لا يبدل بشيء، وفي ذلك قال:
كُلُّ قَتِيلٍ فِي كُلَيْبٍ حُلاَّمْ
حَتَّى يَنَالَ القَتْلُ آلَ هَمَّامْ
كُلُّ قَتِيلٍ فِي كُلَيْبٍ غُرَّهْ
حَتَّى يَنَالَ القَتْلُ آلَ مُرَّهْ
عندما نقل الخبر للحارث بن عباد بمقتل أبنه، لم يجزع، فهو توقع أن الزير سالم اختار إبنه بجير بكليب.
ولكن بمعرفته أن الزير قتله بشسع نعل كليب، غير ذلك كل شيء، فهو قدم إبنه وفلذة كبده دون تردد لوقف الحرب، وها هو الزير يقتله بشسع نعل.
وانشد الأبيات المشهورة التي منها:
قَرِّبَا مَرْبِطَ النَّعَامَةِ مِنِّي
لَقِحَتْ حَرْبُ وَائِلٍ عَنْ حِيَالِ
لَمْ أَكُنْ مِنْ جُنَاتِهَا عَلِمَ اللَّهُ
وَإِنِّي بِحَرِّهَا اليَوْمَ صَال
لا بُجَيْرٌ أَغْنَى قَتِيلاً
وَلا رَهطُ كُلَيْبٍ تَزَاجَرُوا عَنْ ضَلال
قَرِّبَا مَرْبِطَ النَّعَامَةِ مِنِّي
إِنَّ قَتْلَ الغُلامِ بِالشِّسْعِ غْالِ
والنعامه هي فرس الحارث، فأتوا له بالفرس، فجز ناصيتها وقطع ذيلها.
وأصبحت تلك سنة عند العرب لكل من أراد الثأر.
تلك الأبيات كانت أذان الحرب ودخول قبيلة الحارث بن عباد في الحرب.
وهنا كان الأثر الكبير للحارث بإشتراكه في الحرب، فكان هو المخطط للمعركة الأخيرة والقاصمة، والتي تقريباً نهت كل شيء، فهو الذي أشار على جماعته بحلاقة رؤوسهم، وأن يصطحبوا نسائهم معهم، حتى يعالجوا الجريح ويقدموا الماء للعطشى، على أن تفرق النساء بين رجالهم ورجال العدو بأن تنظر إلى رأسه، فإذا كان حليقاً فهو منهم، وما دون ذلك قتلوه.
فكان يوم التحالق أو يوم تحلاق اللمم، كان كل ذلك من تخطيطه.
وحتى عندما اقتربت المعركة، تجهز الحارث كامل الجهاز وركب فرسه وحمل رمحه، وأخبر الجميع بترك سالم الزير له.
بدأت المعركه، وحمى الوطيس، الحارث بن عباد يتقدم ويقاتل كما إبن الثلاثين لولا ضعف نظره، وأخذ ينادي في المعركة، دلوني على سالم، دلوني على سالم.
فيأتيه فارس ويقاتله، ويرميه الحارث عن حصانه.
فيسأله الحارث: دلني على الزير سالم، دلني على عدي.
فيقول: أدلك عليه بشرط أن تعطيني الأمان
فرد الحارث نعم اعطيك الأمان
فيرد الفارس: فأنا عدي.
وهنا تجلت عظمة الحارث بن عباد، فقاتل أبنه بين يديه ويمكنه بكل سهولة أن ينال ثأره، لكنه لم يفعل، فقد أعطاه الأمان، والحارث لا يحنث عهدا قطعه، حتى لقاتل إبنه.
فتركه يذهب، ووفى بعهده.
سيظل اسم الحارث بن عباد وذكراه خالدة عبر الحقب، كحكيم وشاعر وفارس مغوار.
8 تعليقات