التنوع الثقافي في السودان

الشيء المألوف لدينا أن الأصل في الكون والخلق قائم على التنوع و الاختلاف الذي يشمل الأجناس والألوان والألسن واللغات والأوطان والبيئات والأديان والتقاليد والعادات، بل أن الشيء غير المألوف لدينا هو التطابق التام في الكون. حتى أن الأصل في تكوين الدول والمجتمعات هو التنوع والتعدد الذي يؤدى بدوره إلى ضرورة وجود التنوع الثقافي داخل الدولة أو المجتمع الواحد.

تشير عبارة التنوع الثقافي إلى تميز الثقافة البشرية بالتعدد والاختلاف الذي إذا تم الإقرار بوجوده سوف تتم مراعاة الخصوصية الثقافية والهوية الثقافية والقبول بالآخر، و بالتالي احترام التباين والاختلاف والتأكيد على إيجابية التنوع الثقافي و أهميته و المحافظة عليه وحمايته.


في سبتمبر 2001م أصدرت منظمة التربية و العلوم والثقافة (اليونسكو) الإعلان العالمي بشأن التنوع الثقافي، وذلك في وثيقة تقنينية يمثل فيها التنوع الثقافي تراثا مشتركا للإنسانية. و يهدف الإعلان إلى حفظ التنوع الثقافي باعتباره كنزًا حيًا متجددًا يمثل ضمانا لبقاء البشرية و تطورها، كما يرمى إلى تفادى أوجه التفرقة وظواهر النزاع .
شاع استخدام اسم السودان في المكاتبات الرسمية منذ العام 1870م وقد شمل كل الأقاليم الواقعة شمال البحيرات وحتى القرن الأفريقي والسواحل الصومالية. والسودان بلد شاسع المساحة تمتد حدوده مع عدة دول إفريقية و عربية، يتميز السودان بملتقى الطرق إلى إفريقيا، و يطلق عليه بعض الباحثين اسم (إفريقيا المصغرة)، لأن به خليط من الأجناس حيث كان منطقة جذب لكثير من العناصر البشرية منذ عصور قديمة. إذن السودان نموذج للدولة التي تتسم بالتنوع الثقافي الذي جاء نتاج مكونات إثنية و اجتماعية وثقافية ينحدر منها أهل السودان منذ القدم. أيضا مسألة التنوع الثقافي ليست بجديدة على السودان فهي قديمة بسبب الهجرات المستمرة إلى السودان من أنحاء مختلفة في العالم مما جعلها سمة مميزة للسودان عبر مختلف الحقب التاريخية.
الثقافة السودانية بنيت في أرض إفريقيا، إلا أن تنوع المناخ في السودان سمح بتقبل أنماط ثقافية اخرى الامر الذي مهد لظهور مكون ثقافي جديد في كل مرحلة تاريخية. وجدت الثقافة السودانية اهتماماً كبيراً من الباحثين والكتاب السودانيين من علماء علم الإجتماع والسياسة والآثار، وذلك لتحديد ومعرفة أصول الثقافة السودانية، و قد لخص الباحثون آرائهم في مسألة الثقافة السودانية في شكل مدراس فكرية يمكن الإشارة إليها في الآتي:-

  • الثقافة السودانية ثقافة نوبية المنشأ حيث أن الممارسات والسلوك الحالي للإنسان السوداني يحتوي على عادات وتقاليد نوبية كانت موجودة في المجتمع النوبي القديم و أن اللغة العربية تحوي بعض المفردات النوبية.
  • الثقافة السودانية ثقافة عربية وأن المقصود بالعربية هنا اللغة العربية المشتركة بين الجماعات والقبائل السودانية وقد هاجر العرب إلى السودان قبل دخول الإسلام بفعل عوامل اقتصادية أو سياسية أو جغرافية.
  • الثقافة السودانية ثقافة إفريقية باعتبار أن المجتمع السوداني يمارس عادات وثقاليد ومعتقدات ذات طابع إفريقي مثل الكجور والزار ،أيضاً سلم الموسيقى السودانية الحالية هو السلم الخماسي الإفريقي.
  • الثقافة السودانية ثقافة متعددة ومنتوعة حيث أنها ثقافة ذات انتماء متعدد فنجدها عربية بإعتبار أن اللغة العربية هي اللغة المشتركة بين أغلب الجماعات والقبائل السودانية كما نجدها إفريقية الانتماء بحكم الجغرافيا.

وفي نهاية الأمر يرى الباحثون أن الثقافة السودانية عبارة عن نتاج اختلاط موروثات ثقافية إفريقية محلية مع ثقافات أخرى جاءت وافدة إلى السودان في فترات تاريخية مختلفة. كما يرى فريقُ آخر من الباحثين أن الثقافة السودانية تتمثل في تيارات تاريخية هي: ،و ،و .
التنوع الثقافي سمة أساسية من سمات الدولة السودانية و تتجلى لنا مظاهر التنوع الثقافي في السودان بصورة واضحة خاصة في اللغة و الدين والعرق.

حيث شهد السودان تعدد وتنوع ديني في حقب تاريخية مختلفة ففي فترة الحضارات السودانية القديمة ،كانت سائدة لديهم الديانات الوثنية حيث كانت يعبدون ألهة مصنوعة من الحجارة منها الإله أمون، و الإله أبيدماك ، و مازالت آثارهم موجودة بالسودان.

أما الديانة المسيحية فقد دخلت إلى السودان في القرون الأولى للمسيحية، وهي أول ديانة سماوية دخلت السودان. ويرجع دخولها إلي منتصف القرن السادس الميلادي،كما تشير الدراسات التاريخية إلي قيام ثلاثة ممالك مسيحية في السودان وهي (نوباتيا ،المقرة ،علوة) وقد عاشت المسيحية في السودان أكتر من 700 عام و انتهت بدخول العرب المسلمين إلى بلاد النوبة، حيث انتشر الدين الإسلامي والثقافة العربية في السودان.

كما شهد السودان تعددًا في اللغات مثل اللغات النوبية و لغات الفور و البجا ،و التي مازالت مستمرة . ثم اللغة العربية التي انتشرت في فترة الممالك الإسلامية إضافة إلى وجود لهجات محلية لبعض القبائل السودانية. و أن عدد اللغات السائدة الآن في السودان 114 لغة دلالة على التنوع اللغوي.
أما التعدد العرقي فإن سكان السودان الأصليين هم الكوشيين من سكان افريقيا،لكن في فترة دخول الاسلام إلى السودان هاجرت إلى السودان أعداد كبيرة من المجموعات العربية ،أيضا مع مجيء الغزو التركي و الاستعمار البريطاني جاءت مجموعات آسيوية ومجموعات آخرى إلى السودان، و استقرت فيه بعد ذلك امتزجت وتصاهرت هذه العناصر البشرية الوافدة إلى السودان مع سكانه  الأصليين ، الأمر الذي أنتج لنا فيما بعد تنوع إثني يصل قرابة 570 قبيلة بسحنات مختلفة من أصول عربية و إفريقية،تنوع إثني يحمل ثقافات مختلفة ومتنوعة يشهدها سودان اليوم.

ختاماَ نجد أن التنوع الثقافي الموجود في سودان اليوم جاء لسببين هما العامل الجغرافي والعامل التاريخي. حيث أن أهل السودان استطاعوا أن يتقبلوا الآخر و يمتصوا كل الثقافات القادمة مع العناصر البشرية الوافدة، وقد شهدت الثقافة السودانية استمرارية رغم كل هذة الثقافات المنتوعة الوافدة. و ليس بالضرورة أن يكون التنوع الثقافي سببًا للنزاع فالدفاع عن التنوع الثقافي واجب أخلاقي، فإذا تم توظيف و إدارة التنوع الثقافي الموجود في السودان بصورة مثلى سيكون ضمانًا لتحقيق الوحدة السودانية التى نرمي إلى تحقيقها.

فنحن أحوج الي مقولة علي عبداللطيف:

Related posts

إشكالية إدارة التنوع الثقافي في السودان

متحف محمد نور هداب

الديمقراطية للديمقراطيين

5 تعليقات

Johsh 2024-10-17 - 12:26 صباحًا
نستاذنك لاستخدام صورة المقال كغلاف لصفحة فيسبوك
غير معروف 2021-10-16 - 10:59 مساءً
اشكركم جزيل الشكر حامد والرشيد ومنتهي علي الإطلاع و التعليق علي هذا الموضوع الذي يحتاج منا إلى تسليط الضوء
Alrasheed 2021-10-16 - 1:56 مساءً
ur our hero, keep doing good articles to Sudan thanks ZAHRA GİBREEL
منتهى 2021-10-16 - 11:33 صباحًا
رائعة! رغم اختلاف أصابع اليد الواحدة تجد تناسقا وانسجاما بينهم كثقافات السودان رغم اختلافها تجمعها البساطة والطيبة والفطرة السليمة. أدام الله تماسك السودان
حامد 2021-10-16 - 3:40 صباحًا
مقال جيد. السودان بلد التعدد والتنوع المجتمع السوداني ليس عربي ولا إفريقي ولا خليط، الكل لديه هويته التي تمثله وجميعهم سودانيون.
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...