الإعلام الجديد

لطالما كان الإعلام القديم عبر الصحافة والاذاعة والتلفزيون في مختلف الدول هو الكيان الأقوى والصوت المسموع والخبر المقروء باهتمام، فالإعلام منذ نشأته الأولى كان له التأثير الواضح بين الشعوب وحكامهم، خاصة في بناء العقول وتوجه الأفكار لارتباطه الكبير بالسياسة وتوجهاتها، كما له القدرة على جعل المُذنبين أبرياء وجعل الأبرياء مُذنبين وقتلة، وهنا تكمن القوة بالتحكم في عقول الناس لوقت طويل، إلى أن تطور العالم وتطورت معه الوسائل، وأصبحت هنالك سهولة في الوصول إلى المعلومة والتأكد منها عبر أكثر من وجهة، مما أدى إلى إنقسام الإعلام الى قسمين (إعلام صادق، والآخر كاذب) غير موثوق به، ليصبح إعلام السوشل ميديا أسرع وأقوى وأصدق في أخباره وفي نقله للحقائق دون تزييف، رغم الشائعات الكثيرة التي تُنشر به ولكن صاحب العقل يُميز…
حينها فقد الإعلام التقليدي المصداقية بعض الشيء خاصة بعد ارتباطه بالواقع المعيش وقُرب المعلومة للناس، فتنوعت الاخبار وتعددت الوسائل فوصلت المعلومة للجميع وأصبح التأكد منها سهل ومن مصادرها الموثوقة دون فلترة وتلميع.
رغم التطور الإعلامي الكبير الذي شهده العالم لم يرتبط الإعلام السوداني بالعالم الخارجي كلياً، فلم يحدث تأثيراً واضحاً بين الإعلام السوداني وإعلام الدول الرائدة في هذا المجال رغم تاريخه الممتد إعلامياً.
كذلك لا زالت هناك صراعات بين حرية الإعلام والرقابة المفروضة عليه، وما تنتهجه المؤسسات الإعلامية في مختلف البلدان العربية ذات الصيت الإعلامي المعروف من قيود ومنهجية أصبحت واضحة للمشاهد عبر ما تقدمه من محتوى ومن حقائق دائماً ما يتم تحويرها، وتجاهل بعض القضايا المهمة في المجتمع، القضايا التي تكشفها الوسائل الاخرى لحظة بلحظة.
ظل الإعلام والإعلامي السوداني بعيداً عن التواجد والتأثير العالمي، والعمل على تقدم مسيرة الإعلام جنباً الى جنب مع الدول والشخصيات المتطورة والبارزة في هذا المجال، الا القلائل الذين هاجروا المحلية متوجهين الى العمل ببعض القنوات العربية في تمثيل فردي نوعا ما لم ولن يساهم في تطوير المنظومة الإعلامية المحلية، والقليل من إعلاميي بلادي يتواجدون في أوروبا ببعض القنوات والإذاعات، لعله الطموح المحدود كان سبباً في ذلك والذي يختصر طموحات الإعلامي السوداني في الوصول إلى النجومية المحلية والاكتفاء بها.
هذا الفكر أدى إلى ظهور منهج جديد للإعلام في مجتمعنا يُعرف الإعلام أنه نجومية مطلقة ذات ثياب جميلة وشكل أجمل، مؤكدين المعنى الحرفي (للشو الإعلامي) والظهور أمام الكاميرات بلا محتوى وبلا مضمون، حتى أصبح الإعلام في مجتمعنا وظيفة من لا يملك وظيفة بمجرد توفر تلك المؤهلات.
لتكون الخطوة الأولى لمُعظمهم هي التسجيل في الكورسات التدريبية، والتي أصبحت متوفرة بشكل كبير من بعض الأشخاص حاملي بعض الشهادات تحت مسمى التدريب الإعلامي الذي لم يشفع لتلك الفئة بتحقيق شيء من أحلام الماضي، ولا مواكبة الحاضر، ولا اللحاق بالمستقبل القادم والتطور الإعلامي الكبير الذي يحدث في معظم الدول، فاذا كان هذا التدريب طريقك نحو العالمية والنجومية الإعلامية كما يروجون له لكان من يدربك أول الواصلين لذلك.
ظهور مفاجئ وعلى فترات لعدد كبير من الأشخاص الذين يزعمون أنهم مدربين وخبراء وقادة إعلام، فالألقاب في مجتمعنا تُطلق بلا أمجاد ولا تاريخ، ولم يكن التدريب الإعلامي يوما ما سلعة تشترى أو مهنة يشغلها كل من لم يجد له وظيفة.
الإعلام مدرسة لا يلتحق بها كل شخص دفع مبلغاً من المال فقط و نال الشهادات، فالموهبة هي الأساس والدراسة تصقل الموهبة، والشغف ومواكبة الأحداث والتطور المستمر هو المحرك الأساسي لتلك المنظومة.
شهادات تُمنح و جوائز تُوزع وصوراً تلتقط ولا أعلم من الذي سمح لهؤلاء بتعظيم وتمجيد أنفسهم وتبني الدورات التدريبية وتسميتهم بالالقاب وهم لا يفرقون بين ” التاء ” والطاء ”  و ” الغين ” و ” القاف ” وكثير من الأخطاء الإملائية الأولية والأساسية.
ورقة أخيرة
فوضى الشارع والمجتمع تُوحي بأنه لا زال هناك الكثير في جراب الحاوي وستخرج من تحت السواهي دواهي، فلا ندري إلى أين؟! و إلى متى؟! ولا نعلم ما تحمله لنا الأيام في حاضرً مُفجع ومستقبل لا هوية له ولا دين.

Related posts

السودان ما بعد الإتفاق الإطاري

حوار الطرشان

الصحافة مسؤولية .. وليست جريمة

1 تعليق

Abdrhman yousif 2021-07-02 - 9:34 مساءً
السودان متجه إلى حالة اللادولة
Add Comment

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. أقرا المزيد...