تعددت جنسيات الأُسر التي حكمت مصر القديمة (كِمت)، فنجد منها ما هو ذو أصل هكسوسي و آشوري و ليبي و نوبي و روماني. لكننا سننفرد بالحديث تفصيلاً عن الأسرة رقم 25، ألا و هي الأسرة النوبية، أو التي تعرف بالأسرة الكوشية و أيضاً تعرف بالأسرة النبتية أو الإثيوبية، و أحيانا يطلق عليها الأسرة المصرية الخامسة و العشرين.
في ظل حكم هذه الأسرة في الفترة من 744-665 قبل الميلاد، وصلت الإمبراطورية الفرعونية إلى أقصى توسعاتها على الإطلاق.
و على الرغم من أن ألارا النوبي يعتبر هو مؤسس هذه الأسرة ؛إلا أنه يبدأ التأريخ لحكم هذه الأسرة في عهد الملك كاشتا بن ألارا حينما بدأ في غزو مصر لأغراض توسعية.
بيد أنه توفي قبل أن يكمل ما بدأه من غزو، فأكمل تلك المسيرة أخوه الملك بعانخي (بيى) الذي نجح في استرداد مصر و ضمها للتاج الكوشي في عام 727 قبل الميلاد.
و وثّق بعانخي هذا النصر العظيم في لوح تذكاري في جبل البركل يسمى لوح النصر، و الذي ينص على أن:
“أمون في نبتة منحني حق أن أكون حاكمًا لكل دولة أجنبية” و”أمون في طيبة منحني حق أن أكون حاكمًا لـ “كِمت”.
وبحسب كندال، يبدو أن “الأراضي الأجنبية” في هذا الصدد تشمل مصر السفلى بينما يبدو أن كلمة “كِمت” تشير إلى مصر العليا الموحدة مع النوبة.
قفل بعانخي راجعاً إلى عاصمته نبتة بعد أخذ فروض الولاء و الطاعة للحكام المحليين في مصر.
إلا أن الأمر تغير في أواخر عهد بعانخي، الأمر الذي دفع خليفته (شباكا) إلى تحريك جيش إلى مصر و هزيمة الملوك المحليين في شمال مصر بين 711-710 قبل الميلاد، وثبت نفسه كملك في (مِنف). ثم أقام علاقات مع الإمبراطور الآشوري (سرجون الثاني) الذي كان يفرض سيطرته على الشرق الأدنى.
في سنة 690 قبل الميلاد تم تتويج ترهاقا الذي كانت له أفكار توسعية أكثر من أسلافه، الأمر الذي جعله يدعم حركات التمرد داخل الإمبراطورية الآشورية، مما مهد له الطريق إلى غزو الشرق الأدنى و فتح كل من الأردن و فلسطين و أجزاء من سوريا.
إلا أن الآشوريين سرعان ما استعادوا قوتهم و أجبروا ترهاقا على التراجع حتى مصر في العام 647 قبل الميلاد.
و توالت الهجمات الآشورية بعدها لمدة ثلاث سنوات حتى تمكنوا من هزيمة ترهاقا الذي أُجبر على التنازل عن شمال مصر و التراجع حتى العاصمة (تيبا/طيبة) في جنوب مصر.
كان ترهاقا حاكمًا مهمًا، حيث مثل عهده عصرًا ذهبيًا لمملكته الجديدة، بلغت قوة الأسرة الخامسة والعشرين ذروتها في عهده. وكانت إمبراطورية كوش في أقصى اتساعها، كما كانت في عهد المملكة الحديثة و أكثر . وأدى هذا الإزدهار الجديد إلى إحياء الثقافة المصرية و الكوشية ، وأعيد الدين، والفن، والعمارة، إلى أشكالها المزدهرة القديمة، والمتوسطة، والحديثة. كما تم بناء أو استعادة بعض المعابد والمعالم في جميع أنحاء وادي النيل، بما في ذلك منف، الكرنك، الكوة، وجبل البركل. وخلال عهد الأسرة الخامسة والعشرين شهد وادي النيل إحياءً كبيراً لبناء الأهرامات لأول مرة منذ عصر المملكة الوسطى.
بعد وفاة ترهاقا توغل الاشوريين في أنحاء مصر بالكامل نتيجة لتآمر بعد الحكام المحليين الذي ساوموا على السلطة و الحكم و هو ما منحه لهم الاشوريين بالفعل.
حاول خليفة ترهاقا الملك (تانوت أماني) استعادة مصر، و تمكن من هزم (نخاو الأول) ، وهو الحاكم المصري الذي عينه الإمبراطور الآشوري (آشوربانيبال) خليفة الإمبراطور سرجون الثاني ، وتمكن من استعادة منف.
أرسل الآشوريون، الذين كان لهم وجود عسكري في بلاد الشام، أرسلوا جيشًا كبيرًا جنوبًا عام 663 قبل الميلاد. هزم تانوت أماني ، وقام الجيش الآشوري بنهب العاصمة طيبة إلى حد أنها لم تتعاف أبدًا.
تراجع تنوت أماني إلى النوبة العليا ، لكن سيطرته على صعيد مصر استمرت لبضعة سنوات حتى 656 ق.م.
في هذا التاريخ، سيطر حاكم مصري، وهو بسامتيك الأول ابن نخاو، على العرش كتابع لأشوربانيبال في البداية، إلا أنه تمكن من توحيد مصر والاستقلال بعد ذلك.
في 591 قبل الميلاد، حاول الملك الكوشي أسبالتا غزو مصر التي أصبحت تحت حكم الأسرة السادسة والعشرين إلا أنه هُزم، وتبع ذلك تعرض مملكة كوش لغزو أطلقه الفرعون بسماتيك الثاني. مما أدى لنهب مدينة نبتة؛ وذلك ما دفع الملك أسبلتا لتغيير عاصمته إلى مدينة مروي الأكثر أمناً، والمتمتعة بموقع استراتيجي وموارد طبيعية كبيرة خاصة الحديد والذهب. وتم قطع الروابط الأخيرة بين كوش ومصر العليا بعد ذلك.
و ستكون لنا بإذن الله تعالى وقفات تفصيلية لفترة حكم كل ملك في هذه الأسرة.