مما لا شك فيه إن وجود الأحزاب السياسية في أي دولة من الدول يساعد كثيرآ علي نهضة وتطوير هذه الدول في جميع المجالات ، علاوة علي غرس الوعي وتنميته في نفوس المواطنين أو أعضاء هذه الأحزاب أو بالاحرى القواعد التي تساند برامج وأفكار هذه الأحزاب وبلا ريب عندما تكون مؤسسات الدولة تسير وفقًا لبرنامج حزب معين يرتضيه المواطن.
فهذا المواطن في هذه الحالة عندما تتوفر له المقومات الاساسيه من مأكل ومشرب وصحة وتعليم ووظيفة التي يجب علي أي دولة ان توفرها لمواطنيها هنا يشعر هذا المواطن كأنه هو الذي يجلس علي كرسي المسوؤلية.
قطعيًا هذا لا يأتي إلا بوجود قادة او زعماء أصحاب مبادئ وجاهزون في أي وقت من اجل التضحية.
نشأت الاحزاب السياسية في السودان قبل نيله لاستقلاله وكانت قبل ذلك عبارة عن تكتلات وتجمعات مهنية وحركات وطنيه للتحرر ابرزها الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي كان له القدح المعلي في نيل السودان لاستقلاله بقيادة الزعيم اسماعيل الازهري الذي اعلن الاستقلال من داخل البرلمان في التاسع عشر من ديسمبر 1954ثم اعلن استقلال السودان في الاول من يناير 1956 – وايضا مؤتمر الطلاب المستقليين الذي تحول فيما بعد الي حزب المؤتمر السوداني.
قدمت حركات التحرر الوطني التي تحولت فيما بعد الي احزاب نماذج مشرفه في النضال ضد المستعمر والانظمه الشمولية المستبدة التي حكمت السودان بعد الاستقلال.
بعد الانقلاب المشوؤم الذي نفذته الحركة الاسلامية علي اول حكومه منتخبة في السودان قام الانقلابيون بحل جميع الاحزاب السياسية والانفراد بالسلطة.
وخلال 30 عاما من حكم الانقاذ عمل النظام علي ضرب وحده الاحزاب وزرع الشقاق بينها وساهم بدور كبير في انقسام تلك الاحزاب فكان ابرزها الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي انقسم الي عدد من الاحزاب الصغيرة وكذلك حزب الامة .وعمل النظام علي صناعه احزاب كرتونية لا قيمة ولا وزن ولا قواعد لها في الشارع واشركها في الحكم بأعطاء بعض قادتها بعض المناصب ليوهم الشعب انه يمارس الديمقراطية وتقسيم السلطة.
الاحزاب وطول حكم الانقاذ كانت تشاركه في جميع الجرائم التي يرتكبها بحق الشعب وحتي لحظه سقوطه . لم تقدم بعض الاحزاب وطوال تاريخها نماذج رائده للحكم او مشروع وطني يساهم في نهضة البلاد ولم تمارس الديمقراطية التي تتشدق بها حتي داخل قواعدها فلم تستطيع تجديد دمائها وتساهم في استقطاب الشباب لبرامجها فلازال يجلس علي كراسي قادتها من تجاوز اعمارهم الثمانينيات .فلم تقدم سوي الفشل الذريع والتناحر حول من يأخذ اكبر نصيب من كعكة السلطة.
مع اندلاع الاحتجاجات ضد النظام السابق بسبب تردي الاحوال المعيشية واستفراد نظام الانقاذ بالحكم . ظهر تجمع المهنيين كقائد ومنظم للتظاهرات ولعب دورآ كبيرآ في قيادتها بإعلانه لمسارات المواكب ومواقيتها وآلتف الشباب حوله ونال شعبية واسعة.
قبل سقوط نظام البشير ظهر تحالف الحرية والتغيير المكون من احزاب وتيارات وتنظيمات مهنيه وحركات مسلحة متباينه في الرؤي والمواقف جمعها مطلب اسقاط نظام الانقاذ فكان لها ذلك وقادت بعد ذلك تلك الاحزاب مفاوضات طويله مع المجلس العسكري الي ان توافقوا علي تشكيل حكومه انتقالية تقود البلاد لمدة ثلاثة اعوام تعقبها انتخابات.
بعد تشكيل الحكومة التي لم تكن من كفاءلت مستقلة كما متفق عليها بل ظهر الخلاف المبطن بين الاحزاب وتكالبها علي السلطة والاستحواذ علي اكبر قدر من الوزارات فدبت الخلافات والمشاكسات وتبادل الاتهامات فأنسحبت عدد من الاحزاب والحركات المسلحة من التحالف وتجمع المهنيين الذي كان الدينمو المحرك للتظاهرات.
اصبحت الحرية والتغيير جناحان متشاكسان متناحران طرفآ يناغم العسكر والاخر يناصبه العداء – وبتلك المعادلة المتأرجحة اصبحت الفترة الانتقالية علي كف عفريت فالصراع والتناحر في هذه الفترة يعرض وحدة البلاد واستقرارها للخطر.
علي العقلاء تدارك الوضع والجلوس الي طاولة حوار لحل تلك الخلافات وتكوين جبهه موحدة للخروج بالبلاد الي بر الامان.
فهل سيرتقي قادة تلك الاحزاب والتيارات المتناحرة الي مستوي الرشد السياسي ويتوقفوا عن شحن الاجواء والصراعات حول صغائر الامور وكراسي الحكم فالشارع لم يعد يحتمل وعندما يغضب مرة اخري سيرمي بالجميع في مزابل التاريخ.