أمام مرآتي أمضيت معظم الصباح وانا أهيأ نفسي لصبيحة العيد، والان قبل الخروج، نظرة أخيرة الي الفتاة الواقفة امامي في المرآة؛ هاتين العينين الحنونتين تتزاحم فيهما الكلمات، وتحت كل واحدة منهما جفن انكفأ يواري عثرات عمر طويل. ابتسمت لها فابتسمت لي عن اسنان كأنها اللؤلؤ، ابتسامة كان لها الفضل في جمعي بك…
– لقد شدتني ابتسامتك..
أيا كان السبب الذي جعلني ابتسم في ذلك اليوم، ونحن في منتصف يوليو، نجلس في غرفة واسعة في انتظار توثيق الشهادات؛ تحت وطأة الحر وانقطاع الكهرباء و….. أيا كان السبب فانا ممتنة له جدا.
وممتنة لك في تصنع ذلك اللقاء العفوي ونحن علي وشك المغادرة؛ أنا وصديقتي التي لم تنفك تتحدث عنك باقي اليوم باكمله. أما أنا فقد شغلتني المنحة التي حصلت عليها في بريطانيا، رغم اني سمعت بالامر من قبل، ولكني اري شخص يفعلها لاول مرة. أنا لم اعط نفسي حق التفكير في وسامتك ولا صوتك الهادئ ولا حديثك الموزون ولا أناقتك؛ فانا مختلفة، ورجل مثلك صعب أن أفكر فيه او ان احلم بان يفكر هو في. تشبثت بالعصا الاصطناعية التي اتكأ عليها وتاملتها في المرآة؛عصاتان، كل واحدة تخفي راسها تحت ابط وتسند قدميها علي الارض…
-طق طق طق اهل البيت.
عاد الرجال من صلاة العيد.. أخذ قلبي يتنطط حولي فرحا، فحبيبي هنا الان؛ أول عيد لنا بعد الزواج وأول عيد له بعد غياب أربعة سنوات نال بعدها الدكتوراة، وأول عيد لروح تنام في أحشائي…. تحسست بطني ونظرت إليها في المرآة، مازال صغيرا لم يتعد الشهرين ولكني احس به، احس بماحسبته حقا للآخرين من دونى؛ لم احلم بان أعيش هذه اللحظة، لحظة يدق فيها قلبين في ذات الجسد في آن واحد… يالله.
لم يخبرني أحد باني أستحق كل مايستحقه أي إنسان في الحياة، الجميع اخبرني باني معاقة؛ نظراتهم، كلماتهم، وأفعالهم جميعها أخبرتني بأني انسان من الدرجة الثالثة. طموحي لم يتعد أن اعيش بدون اذي..
– الكنجر أتت هيا خلفها…
ضحكاتهم كانت تقتل جزء مني كل يوم. صرت أكره الذهاب إلي المدرسة ولكن لا أستطيع البوح… أقفز مثل الكنجر أجل؛ فأنا امتلك عصاة واحدة من الخشب، وامتلك قوة روح تساعدني علي القفز، قوة لا تلبث ان تأكلها ضحكاتهم ونظراتهم؛ فلا تقوي يداي علي حملي. كنا اطفالا أجل، ولكن حتي الاطفال يمكن ان يتعلموا ثقافة الاختلاف واحترام الاخر…
_ ألم ينته القمر بعد؟ …
– القمر ينتظر ضوءه ياحبيبي
– كل يوم وأنتي نغم يعزف قلبي ألحانه
– وأنت روح أحيا بها عمري
طبعت قبلة علي بطني وخرجت بعد أن نادي أحدهم اسمك. أيتها الفتاة في مرآتي أنا سأذهب الآن ولكني اوصيك أن تخبري امثالي؛ اننا نستحق حياة كاملة لا ينقصها شيء، وأخبري غيرنا أن الاعاقة في العقل تجعلك ناقصا، أما إعاقة الجسد فتجعلك فقط.. مختلفا.
1 تعليق
تستحقين كل شي جميل ورائع لك الود والتقدير غاليتي..