مضى عام علي توقيع ما يسمى بإتفاق جوبا للسلام بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة بإقليم دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان.
عام ولم تنفذ بنود الإتفاق المعيب علي أرض الواقع اللهم الا بمشاركة قادة الحركات المسلحة في الطاقم الحكومي.
عام ولم يعد النازحون واللاجئون الي مناطقهم ولم ينفذ بند الترتيبات الأمنية بإعادة التسريح والدمج لمقاتلي تلك الحركات في جيش قومي موحد كما نص الاتفاق … مضى عام ولا يزال نزيف الدم لم يتوقف في دارفور.
قادة الحركات الذين يدعون زورآ انهم حملوا السلاح من أجل مناطقهم وبسبب التهميش والظلم الممنهج الذي مارسه نظام الإنقاذ المقبور ضدهم ، أتضح العكس أن همهم الوحيد هو المناصب وكراسي الحكم وركوب الفارهات والتمتع بالحصانات … فقد نقلهم الإتفاق المعيب من حياة الفنادق في بلاد الغرب الي حياة الترف والقصور وتناسوا مرارات من يعيشون في الخيام ويفتقدون ﻻبسط مقومات الحياة ، سرق هولاء القادة أحلام البسطاء وجعلوهم وقودًا للحروب والمجاعات.
لم يكلف قاده تلك الحركات أنفسهم زيارة أولئك البؤساء في مخيمات النزوح واللجوء والوقوف علي احتياجاتهم ومعاناتهم.
إتفاق جوبا لا يخرج عن كونه صفقة رخيصة وقعت بين المكون العسكري وقادة تلك الحركات حصلوا بموجبه علي مناصب مرموقة في الدولة فتوزعت كعكة السلطة ما بين الوزارات وحكام الولايات … واستحدثت مسارات لم يكن بحاجة لوجودها كمسار الشمال والوسط والشرق وهذا الاخير تسبب بمشكلات عميقه فقد رفضه معظم أهل الشرق وطالبوا بإلغاءه لأن من مثل الشرق في هذا المسار لا علاقه له بمشكلات هذا الاقليم ولم يحصل علي تفويض شعبي لتمثيل اهل الشرق ادي اقحام هذا المسار ضمن اجندة التفاوض الي احتجاجات واسعة واغلقت المكونات القبلية في الشرق الطرق القومية والموانئ … واحدث المسار شرخآ واسعآ في النسيج الاجتماعي بين المكونات والعشائر بين مؤيد ورافض له.
كذلك مساري الوسط والشمال اقحموا في الاتفاق المنقوص بالرغم من عدم وجود حروب في تلك الاقاليم .
الحكومة الانتقالية أرتكبت نفس الاخطاء التي ارتكبها نظام البشير بتفاوضها مع الاشخاص لكسب رضاهم واسكاتهم بالمناصب وتغاضت عن المشكلات الاساسيه في الاقاليم المتأثرة بالحرب – فقائد حركة جيش تحرير السودان قامت بإستمالته بعد انشقاقه عن الحركة الام بقيادة عبدالواحد محمد نور ووقعت معه اتفاق ابوجا واسترضته بمنصب كبير مساعدي رئيس الجمهورية ورغم ذلك تمرد وحمل السلاح مرة اخري.
ولم تستفد الحكومة الحالية من تلك التجربة وعادت ووقعت في نفس الخطأ وقامت بمنحه منصب حاكم اقليم دارفور دون استفتاء لأهل الاقليم وعقد مؤتمر دستوري يحدد كيف يحكم السودان هل بالنظام المركزي ام لا مركزي ام نظام فيدرالي يمنح الاقاليم الحكم الذاتي بعيدآ عن سيطرة المركز.
علي الحكومة تدارك تلك الأزمات التي تحيط بها من كل جانب بسبب تخبطها وفشلها في إدارة حوار عميق يجلس فيه جميع السودانيين لمناقشة قضاياهم المصيرية لا اختراع اتفاقيات مصطنعة تتغافل عن جذور الازمات الحقيقية والتي هي بحاجة الي نقاش عقلاني يضع الامور في نصابها الصحيح ، والا فإن الوضع سيزداد تعقيدآ ويحمل المهمشون والمظلومون السلاح للحصول علي المناصب وامتيازات مثلما فعل جنرالات الحركات المسلحة.
اتفاقيات الغرف المغلقة لا تنتج سلامآ علي ارض الواقع – فالسلام ليس اسكات صوت البنادق فقط بل بتحسين الظروف المعيشية لسكان مناطق الحروب وعودة النازحين واللاجئين الي مناطقهم.
علي الحكومة الانتقالية العودة الي رشدها وإلي قضية وقف الصراعات والحروب اهتمامآ كبيرآ فدون تحقيق السلام والمصالحة الاجتماعية الشاملة لن تكون هناك تنمية – ولن يخاطر المستثمرون في القدوم الي بلد غير مستقر وتتعدد فيه الجيوش والمليشيات ومراكز صنع القرار ويتشاكس فيه الشركاء العسكريون والمدنيون ويتصارع فيه النخب والاحزاب حول الكراسي والامتيازات.