ثورة تغنى بها الفنانون أساتذة الموسيقى السودانية، و من أبزر الأغاني التي كان ميلادها عقب ثورة أكتوبر(أغنية أصبح الصبح …الخ) للفنان محمد وردي،و(أغنية ملحمة اكتوبر) للفنان محمد الأمين.
تعتبر ثورة أكتوبر أول ثورة شعبية تُطيح بنظام عسكري دكتاتوري في إفريقيا والعالم العربي،والتي إنفجرت شرارتها في 21 اكتوبر 1964م، حيث أزاحت نظام الرئيس الراحل الفريق ابراهيم عبود، بل اجبرته على تنحيه عن الحكم، وتقديم إستقالته بعد ثلاثة اسابيع من انطلاقها ليتسلم السلطة المدنيون، ويعود الجيش الى ثكناته.لكى يتسنى لنا الحديث عن ثورة أكتوبر وكيف حدثت؟ لابد من تناول مظاهر الجو السياسي المعيش آنذاك الذي كان نتاجه وعي وطن متكامل أفقد نظام العكسر مبررات وجوده.
بدأ حكم العسكر في 17 نوفمبر عام 1958م ،حين أعلن الفريق إبراهيم عبود الرجل الأول في المؤسسة العسكرية في السودان آنذاك استيلائه على السلطة. وبعد إعلانه تشكيل المجلس العسكري أصدر عبود جملة من القرارات حل بموجبها الأحزاب السياسية كلها، ومنعها من ممارسة العمل السياسي، وصادر دُورها، وعطل العمل بالدستور، وضيق على حرية الصحافة إلى جانب منع التجمعات، وعليه سارت البلاد وفقاً للأفق العسكرية.
أيضاً بدأ عبود في تأسيس علاقات جديدة مع الإتحاد السوفيتي، ويوغسلافيا، وبعض الأنظمة الإفريقية القوية آنئذ مثل نظام عبدالناصر في مصر، ونكروما في غانا، وهيلا سيلاسي في اثيويبا للتشكيك في العمل الحزبي.
رغم صرامة العسكر إلا أن البلاد منذ مارس 1959م شهدت محاولات انقلابية داخل المؤسسة العسكرية نفسها بصورة متوالية حتى وصل الأمر إلى إعدام قادة هذه الإنقلابات.
لقد تنوعت أدوات مقاومة النظام العسكري، فبدأت بمحاولات الإنقلاب العسكري ثم المذكرات(مذكرة طلاب الجامعة) ثم الإضرابات(إضراب العمال) وصولاً إلى أولى المظاهرات الجماهيرية ضد النظام احتجاجا على قرار تهجير أهالى حلفا قسرا بموجب اتفاقية إنشاء السد العالي بين مصر والسودان.
لم تكن لنظام عبود سياسة واضحة اتجاه الجنوب ،لذلك كانت قضية الجنوب هي الضربة القاضية لنظامه، حيث أصدر عبود بحق الجنوب قرارات اضطهادية منها إلزامهم بتعلم اللغة العربية، وإدخالهم في الإسلام قسراً، وطرد المسيحين الأجانب من الجنوب، وقام بإلغاء عطلة يوم الأحد وإستبدالها بالجمعة.
شرارة الثورة تبدأ من الجامعة:
كانت جامعة الخرطوم رأس السيف في مواجهة نظام العسكر منذ اليوم الأول، حيث بادر الطلاب بتسليم أول مذكرة للنظام في أول أكتوبر عام 1959م مطاليبين بالحرية والديمقراطية. مما جعل عبود يعين نفسه مديراً للجامعة،ثم أتبع الجامعة لوزراة التربية بعد أن كانت مستقلة، وأخيراً رفض النظام الإعتراف بإتحاد الطلاب .فوجد الطلاب في قضية الجنوب فرصة ليكون لهم صوت فاعل، لذلك عقد إتحاد الطلاب ندوة في العاشر من سبتمبر عام 1964م لمناقشة قضية الجنوب تحدث فيها عدداً من قيادات القوى السياسية المختلفة ،لكن متحدثاً بارزاً هو عميد كلية القانون حينها دكتور حسن عبدالله الترابي قد لخص المسالة في نقاط مختصرة قائلا :
( إن قضية الجنوب هي قضية دستورية أولاً، وإن الإعتداء على الحريات حادث في الشمال والجنوب على حد سواء ، وإن حل مشكلات البلاد يكمن في ذهاب النظام العسكري ورجوع الجيش إلى ثكناته).
قرر الطلاب عقد ندوة أخرى في الجامعة،لكن وزراة الداخلية أصدرت أمراً بمنع قيام الندوات. فقدم إتحاد الطلاب مذكرة حادة إلى المجلس العسكري متحديا إياه، مما دفع النظام إلى اعتقال لجنة الطلاب في 15 أكتوبر 1964م. بعد الإعتقال كون طلاب جامعة الخرطوم لجنة بديلة، وتم الإعلان عن موعد ندوة جديدة في 21 من أكتوبر 1964م تحدياً للمجلس العسكري ، فما كان من النظام إلا ان حشد أعداد كبيرة من رجال الشرطة حول الجامعة بهدف منع الطلاب من اقامة الندوة، لكن الإتحاد أصر على قيام الندوة التى حضرها الطلاب والمواطنون، بعدها داهمت الشرطة مكان الندوة مستخدمة الغاز المسيل للدموع، وبدأ الطلاب العُزل يواجهون قمع النظام، ولأول مرة تستخدم الشرطة الرصاص، فسقط طالب كلية العلوم أحمد القرشي بطلقة رأس شهيداً ليُعرف لاحقاً بأول شهيد لثورة أكتوبر 1964م .كانت هذة الطلقة إيذاناً بتوقف نبضات قلب أيام الدكتاتور ودخولها في العد التنازلي.
استمرت المواجهات بين الشرطة والطلاب حتى الساعة 11 ليلا، وحين انتهت المواجهة كان عدد المصابين 19 جريحا.
في صباح اليوم التالي تحول تشييع الطالب أحمد القرشي إلى مظاهرة لهيبة يتقدمها القادة السياسيون وطائفة من أساتذة جامعة الخرطوم، واندمجت جموع الناس في موكب التشييع وبدأت تترد هتافات (مقتل طالب مقتل أمة) و المطالبة بالإنتقام ثم رحيل النظام وكانت قد بدأت الثورة فعلياً.
يُعد تشييع القرشي المظاهرة الكبرى الأولى، ثم تبعتها مظاهرات و احتجاجات في جميع مدن السودان طالبت برحيل النظام.
وبعد أسبوع من المظاهرات تحركت الحشود من مختلف مناطق الخرطوم وتجمعت في جامعة الخرطوم زاحفة نحو القصر تحت شعار (إلى القصر حتى النصر) مطالبين الفريق عبود بالتنحى.
وفي القصر كانت المقتلة الأكبر والأكثر بشاعة، حيث تم إطلاق النار بكثافة على المواطنيين العُزل أمام القصر، فسقط 22 من الشهداء و19 من الجرحى.
ومن شهداء القصر الجمهوري :
-ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺘﻮﻟﻲ ﺍﻟﻌﺘﺒﺎﻧﻲ.
-ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﺘﻨﻘﺎﺭﻱ.
-ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﺣﻤﺪ.
-ﻋﺒﺪﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺣﻤﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﺣﺮﺍﻥ.
-ﻣﻴﺮﻏﻨﻲ ﻋﻠﻲ أحمد ﻧﻤﺮ.
-أحمد ﻋﺜﻤﺎﻥ سعد.
– ﺻﺎﻟﺢ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻣﺒﺮﻭﻙ.
– ﺣﺴﻴﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺧﻴﺮ.
– ﻋﻮﺽ ﻋﺒﺪﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﺑﺎﺑﻜﺮ .
وقد ذكر كليف تومسون محاضر بجامعة الخرطوم آنذاك في كتابه يوميات ثورة أكتوبر
( إن الضباط في الجيش صعقوا بعد مجزرة القصر عندما رأوا تعلق الشعب بالديمقراطية وأن الافراد العاديين لا يهابون الموت).
ولم يعد في وسع النظام إلا أن يدخل في مفاوضات مع ممثلي الشعب مثل الأحزاب والنقابات. بعد ذلك كان القرار الهام في 30 أكتوبر يقضى بإجبار الفريق عبود على حل المجلس العسكري.
لكن عبود راوغ في ذلك حرصا على استمرار رمزية عبود رئيسا للدولة بزعم الحفاظ على هيبته، وكرامة القوات المسلحة بعد انتصار الثورة وإرادة الشعب.
استمرت المظاهرات حتى مارس 1965م التي طالب فيها الشعب بإزاحة الفريق عبود عن رأس الدولة، وتشكيل حكومة إنتقالية تشرف على إجراء انتخابات ديموقراطية.
وهكذا إنتصرت إرادة الشعب السوداني،وأجُبر الفريق عبود على إعلان نتحيه . وبدأ السودان مرحلة الديمقراطية الثانية،والتي أيضاً لم يتركها العسكر تدم طويلا.
ختاماً بعد مرور 57 عاماً على ثورة 21 اكتوبر 1964م ففي سودان اليوم التاريخ يعيد نفسه، لقد سئمنا من بطش العسكر الذي حكمنا تحت مظلة الإسلام السياسي،وبدأ نداءنا بالديمقراطية والحكم المدني في ثورة ديسمبر المجيدة التي ذِيع صِيتها في أنحاء العالم. ونشهد هذه الأيام تأهبنا لموعد ثورة مجدداً على الحكومة الانتقالية في21 اكتوبر2021م تحت شعار ((حرية ،سلام،عدالة)) أسال الله حماية الثورة و وطني وأبناء وطني ثواراً و كنداكات.