نحن من عاش في مجتمع عربي في الثمانينات او حتى التسعينات وكبرنا بين قصص اقرب ما تكون للواقع ولو انها عبارة عن رسوم متحركة، فقد عشنا مع هايدي وخرافها الصغيرة على جبال الألب و غامرنا بخيالنا مع عدنان ولينا و صديقهم عبسي والكثير الكثير لكن هل قادكم الفضول يوما لتعرفو الأشخاص وراء هذه الأعمال …الجميلة التي تركت انطباعا على طفولتنا..
اسمحو لي بشرف تقديم أحد أعظم الشخصيات في تاريخ صناعة الرسوم المتحركة، هو من اهتم بإعطائنا اجمل الدروس في الحياة عبر أفلامه و أخرجنا من أرض الواقع لأرض الخيال المليئة بأغرب الأساطير والمخلوقات, ومن منا لم يستمتع بأحد أعماله بكل ما فيها من إبداع وتفاني و حب لما يصنع! ولا ننسى انه و صديقه كانا السبب وراء ظهور احد أروع إستديوهات الإنتاج في عالم الرسوم المتحركة إستديو غيبلي، نعم يا سادة إنه السيد هاياو ميزاكي…
ولد السيد ميزاكي في الخامس من يناير (وهذا كان سبب إختياري لهذا الموضوع) من عام 1941 إحتفالي بمولدهـ بأن اطلع العالم عن جمال من كان وراء تلك الأعمال الرائعة، هو فنان ومؤلف ومخرج سينمائي ومنتج أفلام ياباني، لاقت أعماله أصداء حول العالم أكثر من أي مخرج أنمي آخر خاصة بعد تعاونه مع شركة والت ديزني في أعماله الأخيرة، عمل في مختلف الاستديوهات في بداية مشواره حتى قام بإخراج أول عمل له في عام 1978 كان مسلسل تلفازي بعنوان كونان فتى المستقبل أو كما يعرف لدينا باسم عدنان و لينا, و اصدر العديد من الأعمال حتى قبل تأسيس ستديو غيبلي عام 1985 كما ذكرت مسبقا مع رفيق دربه السيد إيزاو تاكاهاتا ليجمع في فريق عمله النخبة من شتى المجالات. حاز السيد ميزاكي على العديد من الجوائز منها جائزة الأسد الذهبي للمسيرة الفنية عام 2005 أو كما تسمى الجائزة الشرفية لمهرجان البندقية، و جائزتي الأوسكار لأفضل فيلم صور متحركة و الدب الذهبي في عام 2002 عن فيلم Spirited away محققا أكبر إيراد في تاريخ السينما في اليابان متفوقاً على فيلم تايتانك.
عرف عنه بأنه لا يضع سيناريو معين بين الشخصيات فقط يبدأ بالرسم اليدوي البسيط و يترك الباقي لرسوماته لتعبر عن نفسها لإعتقاده بأن النص يقيد الإبداع، نرى هذا بوضوح عندما قال:
“هذا قد يبدو سخيفا، كان معي فريق عمل يخبرونني بأنهم لا يملكون أدنى فكرة عما يحدث في أفلامي، عندما كنا نعد فيلم Spirited away حتى أنا لم أعلم وقتها ما قد يحدث” و هو يؤمن بأعماله ولديه رؤية واضحة عندما قال “أعمالي تظهر جمال العالم، ذاك الجمال الخفي، هذا ما اريد رؤيته”.
دائما ما كان يهتم بتلك التفاصيل الصغيرة و كان حريصا عليها حتى مع فريق عمله من حركة اليرقة الصغيرة في أحد المشاهد و طريقة تحريك الطفل لرأسه بعفوية ليرى ما خلفه إلى ملامح الحشود في خلفية المشهد فترى ملامح الشخصيات في افلامه بكل وضح حتى ولم يكن المشهد عنها فكان يهتم بالصورة الكاملة وليس البطل فقط وكان يقول في هذا الشأن ” الحشد من الناس لا يجب ان يكون بائس المنظر كما لو كانو مجموعة لا وجوه لهم، هم من يكمل المجتمع، ارسموهم بإحترام” وفي موقف اخر قال “أنتم ترسمون أناس وليس شخصيات، ما الفائدة من رسم بلا روح”
تميزت الشخصيات في أعماله بقوة الإرادة و العزيمة ذكورا وإناث كما لفت نظري أحد الأصدقاء بأنه لاحظ الأدوار القوية والبارزة للإناث في أفلام السيد ميزاكي و بالفعل فكم من أفلامه كان الدور الرئيسي لفتاة او امرأة قوية لا تخاف ولا تضعف أمام الصعاب وعندما بحثت عن السبب كان مرض والدته و هو صغير، كانت تعاني من مرض في الحبل الشوكي أقعدها طريحة الفراش لمدة تسع سنوات، مما ظهر جليا بأنه لاحظ قوة امه امام المرض واراد من الكل ان يرو مدى قوة الانثى.
و مما تميزت به أعماله أيضا قوة حضورها من ناحية التأثيرات الصوتية بمساعدة فريق عمل كان يبني مشهدا متكاملا من شتى النواحي و كان للصوت حظ ايضا, ففي مشهد الطبيعة تسمع صوت العشب و الحشرات و زقزقة الطيور واعطى صوتا لهبوب الريح و للنار المتأججه و للامواج العالية ولقطرات المياهـ ففي افلامهـ لكل شيء نصيب حتى تكاد ترى أكثر مما يعرض أمامك كما لو كنت في عالمهم هذا بالإضافة للموسيقى الجبارة من الموسيقار جو هيسايشي التي تظهر في الوقت المناسب لها مكملة المشهد بكل قوة لتترك اثرها في روح المشاهدين.
مهما طال الكلام لن أنصفه حقه ولكن يمكنكم الإستمتاع بأفلامه و بالفيلم الوثائقي (10 Years with Hayao Miyazaki) المكون من اربع حلقات عن السيد ميزاكي لتعرفو عنه أكثر. واختم كلامي بأحد اجمل العبارات التي قالها السيد ميزاكي ” أتمنى أن يستمتع الناس بأعمالي، هذا دافعي، إذا كان بمقدوري إسعاد الناس فهذا يعني انني استحق الحياة”.
